تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صورة ناصعة للتكافل الاجتماعي في رمضان الخير

مجتمع
الثلاثاء 16-7-2013
منال السمّاك

لن نكون متشائمين كالعادة نلعن أزمة و مسببيها و مستثمريها و تجارها ، و قد لا نكون منصفين إذا اتبعنا سياسة التعميم و الشمولية فالصفات السيئة ليست قدر جميع البشر ،

و كي نكون واقعيين لا بد من النظر إلى نصف الكأس الملآن ، ففراغ النصف الآخر ليس مدعاة للتشاؤم بانعدام الخير في الحياة ، لعنا الكثيرين و وضعنا على قائمة العار الإنسانية و الأخلاقية أسماء المستغلين و الوصوليين ، إلا أن كرم رمضان لم يخل ممن تمتعوا بخصال إنسانية كريمة تشعر بالآخرين و تتلمس مواجعهم و تسعى بكل طاقاتها لجبر خواطرهم التي كسرها الفقر و الحاجة و الفاقة .. كعادته يأتي رمضان ليحمل الفرحة لكثير من الفقراء في تلبية رغبة أو سد رمق .. مشهد شدني لأشهد أن الدنيا ما زالت بخير ، و أن الكرم رغم الضائقة المالية هو من خصالنا العربية التي تزرع الألفة و المحبة في مجتمعنا السوري ..‏

في أحد الشوارع الدمشقية العتيقة حيث تعج بالمارة القاصدين تسوقاً أو من قادتهم المصادفة ، لفتت نظري و شد مسمعي سؤال إمرأة لبائع حلويات عرض بضاعته من حلويات رمضانية مشهية عن سعر صحن « الهريسة « إلا أن السعر صدمها فأطرقت و عيناها إلى الأرض تبتلع ريقها و تلعن الأسعار التي لم ترحم الفقراء و جعلت كل شيء بالنسبة لهم من الكماليات ، إلا أن سرعان ما نادها البائع و قد حمل الصحن بيديه الكريمتين .. قائلاً : توقفي لقد اشتهيته لك خذيه .. أبدت المرأة دهشتها غير مصدقة إلى أن سرعان ما أصبح الصحن تحتضنه يداها و الابتسامة علت وجهها شاكرة إياه و لسان يفيض بالدعوات بأن يرزقه الله أضعافاً مضاعفة و أن يحفظه من كل مكروه و أن يجبر الله خاطره كن جبر بخاطرها هي و أولادها .‏

البعض اشترى و دفع الثمن رغم جهنم أسعارها و تصنيفها ككماليات حيث بالكاد تتاح لهم الفرصة لشراء الضروريات ، إلا أن ما فعله هذا البائع تكرر و أنا واقفة أكثر من مرة ، و كان يقرأ الوجوه و القدرات المادية ، و ينادي كل من أدار ظهره له ليمضي بحاله معرضاً عن الشراء ليعطيه ما طلبه دون أي مقابل إلا الدعاء ، ليقول لمن كسرت الأزمة ظهره و دخل الفقر داره .. خذه لقد اشتهيناه لك و للأولاد و لا نريد إلا الدعاء ..‏

إنها صورة ناصعة للتعاضد و التكافل الاجتماعي ، و هي ليست بالصفة الغريبة عن مجتمعنا السوري المضياف و الكريم الذي اعتاد بلسمة الجراح و الوقوف معاً كالجسد الواحد ، إن كان نصف الكأس الفارغ الذي يعكس التنكر للآخرين و عدم الإحساس بهم بل و المستغل لهم لن يكون السائد ، فقد طغى النصف الملآن على ما مارسه الآخرون من المستغلين لحاجات الآخرين و الذين يحاولون جاهدين الاصطياد بالماء العكر .‏

كما يحفل مجتمعنا و رغم الضائقة المالية التي ألمت به بالكثير من المبادرات الخيرية الكريمة التي تقدم للفقراء السلل الغذائية في رمضان ليعم الخير على مجتمعنا من خلال تبرع المقتدرين مادياً بما تجود به أنفسهم ليتقاسموا فرحة الإفطار مع فقراء من أبناء مجتمعهم ، فكان التنسيق و التعاون بين الجهات حكومية و المجتمع الأهلي ليكون رمضان الخير أكثر من شعار أو مجرد دعوات بل مساعدات فعلية على أرض الواقع تعكس التعاون و التكافل الذي يضمن وحدة المجتمع و التآخي .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية