|
شؤون سياسية غرباً إلى تونس ، وشمالاً إلى تركيا ، وقد تمتدّ إلى دول أخرى حيث يحكم الإخوان المسلمون ، لتعرية هذه الأنظمة أمام شعوبها ، ومن ثمّ الإطاحة بها كما حدث في مصر الكنانة . هذه الأنظمة التي تعمل بأقنعة مزيّفة لأحزابها التي تتّخذ لها أسماء خادعة ومضلّلة ، مثل : الحرية والعدالة في مصر ، العدالة والتنميّة في تركيا ، وليس لها من هذه الأسماء سوى اللفظ ، وهي بعيدة عن كلّ ما يمّت بصلة للحرية أو العدالة أو التنمية ، لأنّها تصادر الحريات العامة ، ولا تحقّق العدالة إلاّ لجماعتها ، وتسهم في تخلّف المجتمعات بدلاً من تنميتها وتقدّمها. ففي تونس الخضراء ، تونس الشعب المنفتح على الحضارة العربية والإنسانية ، لم يرضَ أن يتقوقع وينكفىء في ظلّ نظام أخواني / سلفي يضيّق الحريات ، ويقيّد المفكّرين والمثقفين ، ويمنع الانفتاح والتجديد في مظاهر الحياة الشخصيّة والاجتماعيّة . لذلك تتالى المظاهرات اليوميّة المطالبة برفع سلطة المرشد / الغنوشي /عن الحكم وإبعاد الدين عن السياسة ، والتخلّص ممّا يسمى الإسلام السياسي ، وجعل الشعب يقرّر مصيره وحكمه في إطار النظام السياسي / الديمقراطي المنفتح على الآخر ، بما يسهم في تقدّم المجتمع وازدهارها . وقد كانت جريمة اغتيال المناضل التقدمي / بلعيد / قبل ثلاثة أشهر عاملاً مساعداً في زيادة حدّة المعارضة والتمرّد حلى حكم الإخوان المسمين في تونس ، ورفض تعاليم المرشد التي توجّه سياسة الرئيس / منصف المرزوقي / الداخلية والخارجيّة ، حتى جاء قرار المرزوقي في (7/7/2013 ) القاضي بإقالة مفتي الديار التونسيّة لأنّه رفض دعوة الجهاد على سورية ، والقتال إلى جانب العصابات الإرهابية المسلّحة ضدّ الدولة السورية ، فكان الشعرة التي ستقصم ظهر النظام التونسي ، كما قصمته في مصر بعد خطاب الرئيس المخلوع، مرسي العيّاط ، في 16 / 6 / 2013 ، وأعلن فيه الدعوة إلى الجهاد في سورية وقطع العلاقات معها وإغلاق سفارة البلدين ، من دون أن يقدّر عواقب هذا التصرّف التي كانت وبالاً عليه ، وأنهت حكم الأخوان في مصر إلى غير رجعة . وقد يكون مصير / المرزوقي / وجماعته الأخوانية في تونس ، المصير ذاته الذي لقيه مرسي وجماعته في مصر ، بعدما يضيق الشعب التونسي العلماني / المنفتح ذرعاً ، بقرارات المرزوقي وتعاليم مرشده الظلاميّة / المنغلقة على ذاتها . أمّا في تركيا ، فقد تسلّق / رجب طيّب أردوغان / إلى سدّة الحكم بخدعة دينيّة/ سياسيّة غطاؤها ( العدالة والتنمية) الاسم المزيّف لحزبه الإخواني الجديد ، فكان تصرّفه على عكس تسميته ، حيث صادر الحريات الفكرية والثقافية، واعتقل عشرات المفكّرين الذين فضحوا سياسة الأخوانية التي تقوم على الانغلاق والنظرة الأحادية ، ومحاربة كلّ فكر تحرّري منفتح . كما اعتقل وسرّح مئات الضباط الذين أعلنوا معارضتهم لسياسته الدكتاتورية ، فكانت ممارساته نخالف كلّ المبادىء التي قامت عليها الدولة التركيّة الحديثة التي أسسّها / كمال أتاتورك / بعد الحرب العالميّة الأولى ، وسقوط السلطنة العثمانية ( الرجل المريض ) التي يحنّ إليها / أردوغان / وإخوانه ممّا يسمّى حزب العدالة والتنمية. لقد خدع / أردوغان / وجماعته الإخوانية الشعب التركي ، من خلال مواقفه السياسيّة المضلّلة ( الداخلية والخارجيّة ) ولا سيّما العمل على الانضمام للاتحاد الأوروبي ، والادعاء بدعم الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني ؛ ولكن سرعان ما كشف أمره في الاتجاهين : الأول ، أنّه استسلم للاتحاد الأوروبي وإملاءاته المخالفة لمصلحة الشعب التركي ، من دون أن يحصل على مكان في الاتحاد الأوروبي. والاتجاه الثاني، أظهر أنّه صديق حميم للصهاينة ، على عكس ما كان يدّعي ، وذلك من خلال السكوت على حادثة سفينة (مرمرة ) التي راح ضحيتها تسعة مواطنين أتراك قتلهم الجيش الإسرائيلي . ولم يكتفِ أردوغان بذلك ، بل كشف عن صورته الإخوانية الحقيقيّة ، بعدما تنكّر للعلاقات الأخوية مع الدولة السورية والشعب السوري ، ووقف إلى جانب المعارضة وعصاباتها التكفيرية / الإرهابيّة المسلّحة ، وهو يأويها ويرعاها ، ويمدّها بالأسلحة والتسهيلات اللازمة للقتال ضد الدولة السورية ، بعدما تزعّم عصابات اللصوص التي سرقت ونهبت المصانع والمعامل ومخازن الموارد السورية المختلفة ، في حلب وغيرها ، لحرمان الشعب السوري منها وبيعها في الأسواق التركيّة ، وتوّجها بجعل تركيا قاعدة لصواريخ ( باتريوت ) على الحدود السورية بحجةّ الحماية من تهديدات سورية. وأخيراً جاء قرار إزالة حديقة (تقسيم ) وسط اسطنبول ليفجّر الموقف الشعبي ضدّ سياسة/ أردوغان / الذي أظهر أنّه رجل دكتاتوري ، لا يعرف من الديمقراطية إلاّ اسمها ، ولا يمارس أي جانب من جوانب العدالة ، فواجه المتظاهرين ضدّ القرار بقسوة وعنف ، متّهماً إيّاهم بالمجرمين والمخرّبين ، ومهدّداً ومتوعّداً ، بالقتل والسجن والاعتقال والحساب العسير لمعارضيه ، والمطالبين باستقالته وإنهاء حكم عصابته المتشدّدة ، المعادية للانفتاح والتطوّر الثقافي والاجتماعي . لا شكّ أنّ هذه الوقائع والأحداث التي تجري في الدول التي يحكمها ما اصطلح على تسميته ( الإسلام السياسي ) ، تثبت فشل هذا التنظيم وفروعه في إدارة شؤون الدولة على أسس مدنيّة / ديمقراطيّة . لأنّه ليس مؤهّلاً لذلك ، بل يسعى إلى سلطة أحادية / ديكتاتورية ، تقوم على العنف وتكفير الآخر وتجاهله ، وفي بعض الأحيان محاسبته او القضاء عليه . ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه التداعيات لأنظمة الأخونة ، أو ما يسمّى ( الإسلام السياسي ) ، تتزامن بالتوازي مع القضاء على أذناب السلفيين / التكفيريين في سورية والعراق ولبنان وغيرها ممّن ينضوون تحت تسميات مختلفة، حيث تجتثّ أصولهم وفروعهم ، ويجتثّ معها مشروع ما يسمّى ( الشرق الأوسط الجديد ) في المنطقة. فالمنطقة التي لا تعرف عبر تاريخها الطويل إلاّ ثقافة التفاهم والتآخي والانفتاح على الآخر ، والتفاعل الحضاري الإنساني ، وهي تقدّم للبشرية أسمى القيم الأخلاقيّة والروحيّة ..هكذا كانت وهكذا ستبقى ، فلا مكان فيها للفكر الأحادي والثقافة المنغلقة ، ولا حياة فيها إلاّ للانفتاح والتنّوع الثقافي والحضاري ، فبه تغتني وبه تحيا وتنمو وتتقدّم .فهل يرعوي أولئك الجاهلون السائرون في ركاب التضليل والدجل والتكفير ..؟! |
|