|
فضاءات ثقافية إذ يعرف شهرة واسعة ومكانة نقدية لا يستطيع النقاد عدم الالتفات إليه. مؤخراً عاد مع روايته الرابعة «ميامي الدامية» التي تتحدّث عن المهاجرين الذين يقطنون تلك المدينة الأميركية. بنى وولف اسمه الكتابي انطلاقاً من الصحافة، فهو من أطلق مصطلح «الصحافة الجديدة» الذي غزا العالم، وذلك عبر مقالاته التي كانت تجد أصداء واسعة. اليوم وهو في الثانية والثمانين من عمره، لا يزال يمتلك القدرة على التحريض وعلى بث الأفكار التي لا «تناسب» مواطنيه، ومع ذلك يستمر في النقاش. مجلة «لوفيغارو ماغازين» أجرت حواراً مع الكاتب بمناسبة صدور الترجمة الفرنسية، هنا تعريب لها. • لِمَ اخترت ميامي كإطار لروايتك هذه؟ •• تشكل الهجرة موضوعاً يهمّني. سبق أن صدرت كتب عدة حول الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وبشكل عام، كان كتّابها يتحدثون فيها دائماً عن (أن المدينة تشكل) ممر عبور. لم يسأل أحد يوماً ما الذي يحصل فيما لو أن العابرين بقوا في أمكنتهم. من هنا تبدو ميامي المدينة المثالية لأنها كانت دائماً مسكونة بهجرة متجددة. لم يكن هذا المكان موجوداً قبل مئة عام. لم يكن هناك سكان «قديمون» في ميامي. أعتقد أنها المدينة الوحيدة في العالم التي يحكمها ويديرها أشخاص يأتون من بلاد أخرى وحتى أنهم لا يتحدثون لغتها. • حين نقرأ روايتك، يبدو لنا أن ليس هناك أبداً أي تعايش بين مختلف الطوائف والجماعات الكوبية والنيكاراغوية والسود الخ.. •• في عصر آخر، كان الايرلنديون يعاملون كما لو كانوا لا شيء. بيد أن اندماجهم نجح في النهاية، ببساطة لأنهم بيض. الأمر عينه مع الإيطاليين. يعتقد أبناء جيلي بأنه كان هناك أربعة أنواع من الناس: السود والبيض والصفر والبنيون، وهؤلاء الأخيرون يمثلون كل الذين لا ينتمون إلى الفئات الثلاث الأولى. ومذاك تمّ إبداع كلمات جديدة كي لا يتم الحديث عن لون البشرة، أي عن هذا التابو المطلق: «لاتينو»، «أنغلو»، أفرو أميركي»... كل هذه الفئات اجتمعت في ميامي، من هنا يشكل النوع القوقازي أقلية منذ الأزل، أكان أبيض أم من «الوسب». بيد أن الثقافات لا تختلط ببعضها أبداً. • هناك، في كتابك هذا، صفحات فكاهية عدة حول الفن المعاصر، الذي سبق أن كتبت عنه كتباً ومقالات عدة. ما رأيك بأشخاص مثل جيف كونز أو داميان هيرست؟ •• يمثلان جيداً ما أسميه «الفن دون أيدي»، وأقصد بذلك أن هيرست أو كونز لم يلمسا أبداً «أعمالهما». لقد اهتم بذلك أناس آخرون، لأنهما فوق مستوى ذلك (يضحك). لكونز أرنبه العملاق الذي تم صنعه انطلاقاً من القاذورات، وصدّقني لن يضع يديه في هذا الوسخ! أما داميان هيرست فقد باع قرشه النافق إلى جامع تحف، ومن البديهي أن ينتن. لذلك سيعطيه واحداً آخر. • برأيك، لماذا يؤجر النقاد عملهم بينما هناك أشخاص يصرفون الثروات كي يقتنوا هذه الأعمال؟ •• بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك بعض النقاد (ليسوا على قدر كبير من الذكاء) كما بعض جامعي الأعمال الفنية الذين قالوا إن لم نفهم أبداً عملاً فنياً، فهذا معناه أنه مهم. وقد صدق ذلك عديدون من ذوي الأرواح البسيطة (يضحك). رأينا الأمر عينه في الأدب الفرنسي بعد مالارميه. فجأة تحول إميل زولا وموباسان إلى «مسعّرين». وبما أن الأدب الفرنسي كان يشع دائماً، حتى في الولايات المتحدة، فقد توسّعت هذه الحركة. توجب بدءاً من تلك اللحظة كتابة روايات معقدة غير مفهومة، لأن بساطة تولستوي، الذي أحترمه، أصبحت أمراً «عفا عليه الزمن». أعتقد أن الناس، وهذا ما يثير الاستغراب، يثمنون واقع أن لا يفهموا شيئاً مما يقرأونه أو مما يشاهدونه في المتاحف. شاهدت في «آرت باسل» في ميامي، رجالاً مسنين يرتدون الأحذية الرياضية وسراويل الجينز وهم يتدافعون حول أعمال فنية «فقيرة» كي يتأكدوا بأنهم هم أول من سيشتريها. باختصار، الجمهور يبدو أسخف من الأعمال الفنية. • هل تعتقد أن هذا الشكل من الانحطاط ينطبق على الأدب والسينما والموسيقا؟ •• هناك اختلاف جوهري: هدف العمل الفني المعاصر أن يتم شراؤه من قبل جامع أعمال غني. أما الأسطوانات والكتب والأفلام فعليها أن تلامس أكبر عدد. وهذا ما لا يفضي بالطبع إلى نتائج حاسمة، مثلما نعرف بشكل خاص في الأدب بالولايات المتحدة الأميركية، عبر هذا الهذيان الذي يدور حول محترفات الكتابة وحول الإبداع الأدبي». هل تظن جدياً أنه يمكن لنا أن نشرح كيف تكتب الرواية»؟ • بهذا الخصوص، غالباً ما تقول إنك في رواياتك تبدو صحافياً أكثر منك روائياً. في فرنسا درجت العادة أن يكتب الصحافيون أسوأ الروايات... •• الأمر عينه في الولايات المتحدة. بيد أني أعتقد أن زولا كان صحافياً وجاك لندن بالطبع، وشتاينبك، مثلما نعرف، قام بإجراء تحقيق كي يستطيع أن يكتب «عناقيد الغضب»، رائعته الكبيرة. بالنسبة إليّ، كل رواية كبيرة تبدأ بالصحافة: علينا أن نستعلم، أن نلتقي بالذين لا نعرفهم، الخ... |
|