تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجلاء... حكاية شعب عشق الحياة فاستحقها

مجتمع
الثلاثاء 16-4-2013
بشار الحجلي

رفع رأسه الصغير عاليا، يبحث في الفضاء الواسع عن نجمة استقرت في كبد السماء، تشبه صورة والده الشهيد... ذرف دمعة، ورسم على جبينه الغض ابتسامة خجولة، فنطقت شفتاه بكلمات كبيرة بحجم عالم واسع :«ياالله، كم أحببت والدي حتى نقلته إلى جوارك !»

على مثل هذه الصورة، شب أطفال بلادي، يحملون في ذاكرتهم الغنية بصور البطولة والتضحية والفداء، عشق وطنهم، الذي رضعوه صغارا مع حليب الأمهات, فرخصوا الروح من أجل عزته وكرامته وسيادته واستقلاله، وعلى هذه الصورة حفظوا نشيدهم الذي صاغته بطولات النشامى، ملحمة من ثنايا الروح ، تحكي يوم كانوا يواجهون الريح صوانا وسنديانا وكبرياء .‏

هناك فوق هذه الأرض الطاهرة، نسجوا عالما من جبهة الشمس صداه، وتساموا فوق قسوة الأيام، يواجهون بصبرهم سطوة المستعمرين ، يقارعون كالأسود جيشا من ظلام ، أراد كسر عزيمتهم، فكسر رقبته، وتكسرت أحلامه، أمام رجال أمنوا بعدالة قضيتهم، وصدق أهدافهم فاتخذوا القرار، بأن لاحياة مع الذل ولا مستقبل لبلد يفرط فيه أولاده، ويتركونه رهينة بيد من لا عهد له ولاميثاق، فكتبوا بالدم الطاهر ملحمة الجلاء..‏

اليوم وبلاد الشمس والبطولة والصمود تعيش أجواء انتصارها ، تستذكر مع أبطالها في ميادين العزة والكرامة ذكريات الأمس ، وتحكي قصة شعب أبي ، ما عرف الهوان طريقا إلى ذاته الشامخة ، قصة رجال عاهدوا ربهم فصدقوا العهد، فمنهم من قضى في معارك الشرف والكرامة، ومنهم من ينتظر اللحاق بركب مشاعل النور والحرية والاستقلال، رجال بحجم ما تملكه سورية من حضارات قدمت للكون أبجديته الأولى، وللإنسانية جمعاء النموذج الحضاري والعقول النيرة ، قدمت النموذج في الغيرية الوطنية واقتحام الموت من أجل أن يبقى الوطن حرا عزيزا كريما .‏

اليوم، وسورية تعيش مخاض انتصارها المؤزر بهمم الرجال وقامات قواتها المسلحة الباسلة تعي تماما دلالات إحياء ذكرى الجلاء التي نحتفل بعامها السابع والستين لنؤكد للكون أننا شعب يعشق الحياة ويستحقها عن جدارة شعب ما بخل بالشهداء يتسابقون في بطولاتهم وتضحياتهم حتى تزهر في حقول الوطن شقائق النعمان وترفرف فوق هامة المجد أعلام انتصارنا الأتي ، بيارق مجد عزتنا القادم مع سنابك الخيل وأهازيج النشامى، مع زغرودة أم استقبلت ولدها الشهيد بابتسامة لا شبيه لها لتقدمه قربانا للوطن ، مع تلويحة عروس انتظرت فارسها فجاء على أكتاف رفاق السلاح، هالة من مجد وكبرياء فزفوه شهيدا لعيون الوطن ، مع دمعة طفل رددت حنجرته الفتية نشيد الوطن الخالد « حماة الديار» .‏

سلام عليك يا وطني المسيج بالبطولات ، الممزوج ترابه برائحة الكبرياء وعرق العامل والفلاح ، سلام عليك يا وطنا ضمته كراريس التلاميذ الصغار أنشودة عشق للحياة ، فكانوا رجالا أقوى من سطوة الدمار ورعب القتل وثقافة الموت الوافدة الغريبة عنا يحملها خفافيش جاءوا من أقبية الحياة المظلمة يترجمون فكرهم الأسود ، حقدا وخرابا يعم تفاصيل الوطن الذي كان حتى وقت قريب ملاذ الخائف وقبلة الملهوف من الأشقاء والأصدقاء ، كان صدرا حنونا يستظل باتساعه كل موجوع ومقهور، فأزعج تجار الموت ما هو عليه فنفثوا ريحهم الصفراء سموما لفت سماء الوطن وحاولت النيل من أمانه واستقراره ، وظنوا أنهم بحقدهم قادرون لكنهم تكسروا على بوابات صمود شعبنا وصبر أهلنا وبسالة جيشنا .‏

سلام عليك يا وطن البطولات تزهر قمحا في بيادر غدنا وتورق زيتونا أخضر في سهولنا وتشمخ كبرياء في عيون أطفالنا .. سلام عليك أيها الأعلى ، الشامخ فوق جراحك الثخينة ، الواثق بحتمية نصرك وانتصارك ، سلام عليك تعلم الدنيا أبجديات الصمود فوحدك الذي صاغ ملحمة الجلاء ووحدك من يملك القدرة على صنع الانتصار، سلام عليك يا وطن الكرامة وشعبك اليوم يحيي ملحمة الجلاء العظيم صورا تتجدد، فيتجدد معها صبر الناس وجلدهم وثقتهم بالغد الآتي ،فمن ملك ذاكرة الصمود وإرادة الحياة يعرف كيف يصوغ بالمجد انتصاره.‏

سلام على أبطالك أينما حلوا، في القلب موطنهم، وفي العيون المتطلعة إلى مستقبل يصنعه أحفاد من صنعوا الجلاء، يستمدون من رجال الحياة أسباب صمودهم، وصبرهم وأملهم بالفوز القريب ، في وطن نظيف من شرور القتلة المجرمين، ومن حضورهم بيننا، وطن لا متسع فيه لقاتل ومرتهن وخائن ومأجور ومرتزق ، وطن يشرع أبوابه الواسعة فقط لمن يعشق الحياة ويستحق لذلك الحياة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية