|
ثقافة اليوم وفي ذكرى الجلاء نقلب معاً في كتاب (ثورة الشيخ صالح العلي) للدكتور عبد اللطيف اليونس حيث قال في مقدمة كتابه: إن فكرة كتابة هذا التاريخ تساورني منذ سنوات وقد قويت هذه الرغبة بعد الحفلة التكريمية الكبرى التي أقمتُها في اللاذقية للمجاهد الكبير الشيخ صالح العلي, وثمة سبب آخر لعله الأقوى وهو إهمال أكثر المؤلفين والمدرّسين أمر التحدث عن تلك الثورة, رغم جبروتها الذي لم يٌضاه, وعنفها الذي لم يجار. ثم إن المطالبة بهذا التاريخ من هنا وهناك لاتقف عند حد, ولاتقع تحت حصر, فهي مطالبة مستمرة صارخة, وإنه لجوع قومي.. لايشبعه إلا كرم التاريخ الأمين، الطيب المذاق . والأمة التي بدأت تتنفس الصعداء بعد جهادها الدامي, طوال ربع القرن الأخير, أحوج ماتكون إلى هذه الأسفار التاريخية, تضم بعضها إلى بعض وتشكل منها سفراً واحداً .. يكون خميرة المستقبل وذخر الغد والتراث الذي يورثه الآباء للأبناء والأجداد للأحفاد, ولاتكتمل هذه الأسفار إلا إذا سجلت جميعاً ومما يؤسف له حقاً ألا يكون في متناول اليد مستندات يوثق بصحتها, بيد أن الضرورة القصوى لوجود هذا التاريخ وتسجيل الأحداث قد تغلبت على جميع الصعوبات وانتصرت على سائر المواقع والعقبات، فاتصلت بسماحة الشيخ قائد الثورة واتصلت برفاق الشيخ كما إنني استحصلت على بعض الكتب العربية والأجنبية التي كتبت عن الثورة ... الخ. وبعد أن انتهيت من تأليف الكتاب طفت على بعض المجاهدين في المدن والقرى وقرأت عليهم التاريخ، وما أزعم أن هذا التاريخ قد بلغ الكمال من حيث الدقة والتحديد ولكنني أجزم بأنه قد بلغ الكمال من حيث الأمانة برواية الحوادث التي وصلت إلي وتوفرت لدي ... أيضاً السيد إحسان الجابري قال: إنه من الصعب أن يعرف المرء أهمية الثورة التي قام بها الشيخ صالح العلي من الوجهتين المادية والمعنوية قبل أن يعلم نوايا الفرنسيين الحقيقية, ومقاصدهم الاستعمارية التي دفعتهم إلى دخول الحرب الكبرى, بقصد الاستيلاء على ممتلكات في حوض البحر الأبيض المتوسط وخاصة سورية ولبنان وقد أثبتت الأحداث فيما بعد بطلان هذه الادعاءات والافتراءات, وبرهنت على أن الشعب السوري بأسره يرفض أي انتداب واحتلال ولهذا كانت ثورة الشيخ صالح صدمة عنيفة لادعاء الفرنسيين وتبجحهم وغرورهم وكان لها بالنسبة للفرنسيين صدى سيء في المحافل الأوروبية جمعاء, وقد مني دعاتهم بخيبة مريرة وإخفاق شديد إن من أعظم مزايا ثورة الشيخ صالح أنها استمرت ما يقارب السنة بعد خروج الملك فيصل من الشام وانقطاع المساعدات المنظمة عن الثورة, ولم يكن لها ما يغذيها في فترة تلك السنة الأخيرة إلا إيمان الشيخ صالح وثباته ومتانة عقيدته، وثمة منافع أخرى كثيرة أتت عن طريق تلك الثورة ودلت على فائدتها لم تنحصر ضمن نطاق معين, ومن ذلك الثورات التي قامت بعدها في جبل العرب وجبل الزاوية وجبل عامل والغوطة وبقية المناطق والتي لم تكن إلا بمثابة تموجات طبيعية للثورة الأولى التي أطلق الشيخ صالح رصاصتها الأولى وهنا نقتطف من قصيدة (ياصالح بن علي) للشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير) فيقول: من شاعر نسق الرياض ونظّما أكبرت فيه العبقري الُملهما قالوا: الربيع. فقلت: ما أنكرته رشفَ الدموع وردهنّ تبسُما خُذها إليك أبا الجهاد فإنها لولاك ماطبعت على فمها فمَا صغرت فهبها في اللآلئ حبة أولا .. فَهبها في الأزاهر بُرعُما نعم .. إن يوم الجلاء هو يوم الملاحم البطولية التي سطرتها سواعد مجاهدينا ورووا بدمائهم الزكية كل حبة تراب على امتداد الوطن، من دمشق وغوطتها إلى روابي وقمم الجبال الساحلية إلى جبل العرب وسهول درعا،وفي حلب وريفها، ومنطقة الجزيرة، وحماه... اليوم وإذ نحتفل بعيد الجلاء، وعلى الرغم من غيوم الحزن التي تلف أطراف بلدنا، إلا أننا نؤكد بأن سورية على مدى السنوات.. لم ولن تعدل يوماً تحت ضغط.. أو تهديد... وبالتالي من صنع أمجاد الجلاء.. واليوم الوطني لسورية.. لاشك أن أحفادهم قادرون على الاستمرار فيه.. |
|