|
شؤون سياسية فالتقديرات في تونس تقول إن 40 في المئة من «الجهاديين» الأجانب في سورية هم من الجنسيّة التونسية، وأكثر من الثلثين منهم يقاتلون في صفوف «جبهة النصرة». لقدبرز تيار السلفية الجهادية منذ انتصار الثورة التونسية في 14 كانون الثاني/ يناير 2011، وإطلاق مئات العناصر السلفية الجهادية المرتبطين بتنظيم «القاعدة» أو بفروعها من السجون التونسية، وفي ظل الفراغ السلطوي الذي كان قائماً في تونس طوال المرحلة الماضية، إضافة إلى هشاشة الحكومة المؤقتة. وفرض تيار «السلفية الجهادية » نفسه عددياً وعملياً في الطيف الإسلامي السلفي بعد التجربة الأفغانية وبعد المواجهات المسلحة التي حصلت بين هذا التيار وعدد من الأنظمة العربية: المصرية، والسورية، والجزائرية، في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. فمن هم الجهاديون الجدد في تونس؟ يمكن التأكيد أن السلفيين الجهاديين التونسيين، هم جزء لا يتجزأ من شبكة دولية مرتبطة بتنظيم “القاعدة” وأخواتها، فتسمية «أنصار الشريعة» هي نفسها التي يعمل تحت لوائها أيضا السلفيون القاعديون في اليمن. كما أن أسلوب السيطرة على مدن صغيرة وإبعاد السلطات المحلية منها لإعلان تطبيق الشريعة، هو نفسه المستخدم في اليمن وتونس على السواء. ولولا تدخل القوى الأمنية لمساندة الأهالي لأحكم السلفيون قبضتهم على مدينتي منزل بورقيبة في عام 2011 وسجنان مطلع عام 2012، من أجل تطبيق الحدود. في خريف هذا العام، أصبح اسم «جماعة أنصار الشريعة» مألوفاً تقريباً، وباتت وسائل الإعلام المرئية تتحدث عن الهجمات القاتلة التي يقوم بها «أنصار الشريعة» في بعض الأحيان، ضد السفارات الأمريكية في تونس وليبيا ومصر واليمن، باعتبار الولايات المتحدة الأمريكية متهمة في قضية الفيلم المسيء إلى الإسلام «براءة المسلمين».ويمثّل بروز ما يسمّى بـ «أنصار الشريعة» في أكثر من دولة عربية، في حقبة الثورات الديمقراطية العربية، طوراً جديداً من أطوار السلفية الجهادية ورهاناتها الإستراتيجية، فبعدما بدت أيديولوجيا «القاعدة» (التي تقوم على فرضيات الدمج بين العدو القريب والبعيد، واختيار العمل المسلّح سبيلاً وحيداً للتغيير، والاعتماد على «عولمة الجهاد»لكسب الرأي العام) عاجزة عن الإجابة على أسئلة لحظة الثورات الديمقراطية وما أفرزته من نتائج لا تنسجم مع فرضياتها، قام منظرو وقياديو السلفية الجهادية في العالم العربي بإعادة هيكلة أولويات التيار ورهاناته وخياراته عبر ما يمكن أن نطلق عليه عملية «تكيف أيديولوجي»، للفلفة هذه الثغرات الكبيرة من جهة، ولإطلاق مرحلة جديدة تنسجم مع المعطيات الجديدة، من دون التخلّي عن “البنية الصلبة” لإيديولوجيا التيار، التي تقوم على مبدأ الحاكمية والإصرار على تطبيق الشريعة الإسلامية، ورفض اللعبة الديمقراطية، مع التراجع عن اعتبار العمل السلمي مرفوضاً أو عبثياً، إذ تمّت إعادة الاعتبار له، وإعادة الاهتمام كذلك في الشأن المحلي وموضوعة تحكيم الشريعة، ما يعني ضمنياً تراجعاً عن المرحلة الماضية (منذ النصف الثاني من تسعينات القرن). في تونس، أصبح زعيم السلفية «الجهادية» أبو عياض (43 عاماً)، واسمه الحقيقي هو سيف الله بن حسين، الأكثر شهرة من بين السلفيين، يتحدى الدولة التونسية وأجهزتها الأمنية بعد الأحداث التي حصلت الجمعة 14( أيلول /سبتمبر) 2012، حين هاجم سلفيون السفارة الأمريكية في تونس العاصمة، إذ حصلت مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين ينتمي معظمهم إلى التيار السلفي، ما أوقع أربعة قتلى و49 جريحاً، بحسب مصدر بوزارة الصحة التونسية، وجرت التظاهرات احتجاجاً على فيلم مسيء للإسلام أنتج في الولايات المتحدة. وكان أبو عياض من المؤسسين السابقين للمجموعة التونسية التي شاركت في القتال في أفغانستان، ويشتبه في أنه شارك في إعداد الصحافيين التونسيين المسؤولين عن اغتيال القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود في 9 أيلول (سبتمبر) 2001. واعتقل في تركيا في عام 2003، وسُلّم إلى تونس، حيث حكم عليه في عهد نظام بن علي بالسجن 63 سنة، واستفاد مثل غيره من العفو العام الذي صدر في آذار (مارس2011). «السلفية الجهادية» في تونس وُجدت قبل الثورة لكن لم يكن لها دور فيها، رغم اعتقال العديد من رموزها ومحاكمتهم، وبالتالي فإن ظهورها المفاجئ بهذا الشكل المتضخم يعود إلى أسباب عديدة ساهمت في بروزها كظاهرة وتناميها: أولاً، إن السبب الجوهري لعودة قسم كبير من الشعب التونسي إلى الإسلام باعتباره الملجأ الروحي الحصين للقيم الأخلاقية، وتنامي النزعة المحافظة في داخله، ولاسيما في أوساط الطبقات والفئات الشعبية التي لا تتمتع بمستوى تعليمي متقدم، يعود في جزء أساسي منه إلى وصول النموذج البورقيبي إلى أزمته البنيوية الشاملة، ومن بعده بن علي، الذي كان يمثِّل جيل الذئاب الشابة داخل المدرسة البورقيبية عينها، والذي استعاد النظام البورقيبي في صورة نظام بوليسي تسلطي صرفٍ لكنه مغلف برداء حداثوي بورقيبي تقليدي عام. ثانياً، السبب الجوهري الثاني الذي ساهم في تنامي الظاهرة، هو الظلم الاجتماعي وتكريس التفاوتات الشديدة في الدخل والثروة بين الفئات الاجتماعية، وبين المناطق الساحلية والمحافظات الداخلية الممتدة من الشمال الغربي إلى الجنوب. فقد اقترن حكم بن علي البوليسي بحالةٍ حادّة من الإخفاق التنمويّ الذي كاد يقضي على الكرامة الإنسانية للغالبية العظمى من الشعب التونسي. ويتجلّى هذا الإخفاق في عددٍ من الظواهر السلبيّة، مثل تفشّي البطالة في أوساط الشباب الحاصلين على شهادات جامعية، أو الذين تخرجوا مبكراً من المعاهد الثانوية ولم يلتحقوا بالجامعات، واستشراء الفقر، وما يترتّب عليهما من تفاقم الظلم في توزيع الدخل والثروة. ثالثاً، الهشاشة الأمنية وضعف وجود الدولة خاصة في الأحياء الشعبية التي جعلت بعض الأطياف السلفية وخاصة الجهادية تُعوّض الدولة وتُقيم “سلطتها” المحدودة على مناطق تعتبرها شبه محررة. رابعا:كان لسقوط نظام القذافي تداعيات كبيرة ليس في ليبيا فحسب، بل في إقليم شمال إفريقيا ودول الساحل. فهناك إجماع داخل الدول الغربية والمغاربية، ودول الساحل الإفريقي، من مخاطر انتشار الأسلحة بصورة كبيرة في ليبيا، وانتقالها أيضاً عبر الحدود إلى الدول المجاورة (تونس، الجزائر، مالي، النيجر، وموريتانيا) وهي مناطق الصحراء الكبرى، التي ينشط فيها تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، إضافة إلى المتمردين الطوارق.ومنذ الإطاحة بنظام القذافي، تكافح تونس ومصر لضبط حدودها مع ليبيا من أجل وقف تدفق الأسلحة. وكانت تونس أعلنت في شهر شباط2012 تفكيك تنظيم إرهابي تدرب في ليبيا، ويسعى إلى إقامة إمارة إسلامية في تونس. وبدأت الصحافة التونسية تتحدث مؤخراً عن ظاهرة المقاتلين التونسيين الذين يشتركون في الحرب الدائرة في سورية، لا سيما بعد أن كشفت هذه الصحافة عن وجود أياد خارجية ( دولة قطر، إضافة إلى شيوخ السلفية في المملكة السعودية )تعمل على تجنيد السلفيين الجهاديين التونسيين لكي يكونوا وقوداً في هذه الحرب. وكانت جريدة «الشروق» التونسية نشرت، في 12 آذار الحالي، نقلاً عن وكالة أنباء «آسيا»، ملحقاً تفصيلياً تحدثت فيه عن عشرات القتلى التونسيين في سورية، حيث تضمّن التقرير أسماءهم وصورهم والمحافظات التي ينتمون إليها، فضلاً عن تاريخ ومكان مقتلهم في سورية. وكان لافتاً أن أغلبيّتهم ينتمون إلى مدينة بن قردان، الواقعة جنوبي تونس.على الحدود مع ليبيا. وتعتبر بن قردان من محافظة مدنين، من أكثر المناطق تصديراً للجهاديين إلى سورية. وهي التي قال عنها زعيم تنظيم القاعدة في العراق سابقاً أبو مصعب الزرقاوي «لو كانت مدينة بن قردان بجانب الفلوجة لتحرّر العراق». وبحسب صحيفة «الشروق»، تقوم قطر بضخّ أموال إلى «جمعيات» تونسية غير حكومية لتجنيد جهاديين وإرسالهم إلى سوريا، وتحصل هذه الشبكات من قطر على «عمولة بمبلغ 3 آلاف دولار عن كل شاب تونسي يتم تجنيده». وفي التفاصيل يقوم «الوسيط» التونسي بعزل هؤلاء الشبان في معسكرات في المثلث الصحراوي بين ليبيا وتونس والجزائر، ثم يتمّ ترحيلهم لاحقاً إلى تركيا حيث توجد جمعيات أخرى لاستقبالهم وإدخالهم إلى الأراضي السورية بعد تدريبهم بطريقة سريعة، و«هو ما يسهّل أسرهم أو قتلهم»، بحسب الصحيفة. ووفق مصادر لـ«السفير»، تقيم المجموعات الجهادية في ليبيا معاقل للتدريب في محافظة غدامس، التي لا تبعد إلا 70 كم عن الحدود التونسية، يتلقى فيها هؤلاء الشبان بعض التدريبات العسكرية ثم ينتقلون إلى محافظة الزاوية ليستكملوا تدريباتهم لمدة 20 يوماً. ثم ينتقلون إلى ميناء البريقة للسفر إلى إسطنبول ومنها إلى الحدود السورية، ووفقاً للتحقيقات، فإن المقاتلين التونسيين يتوجهون إلى سورية عبر لبنان و تركيا. و السؤال المطروح في تونس، لماذا لا يذهب هؤلاء الجهاديون للقتال من أجل تحرير القدس، إذا كانوا مؤمنين حقا بفكرة الجهاد، فذلك هو الجهاد الحقيقي ؟ غير أن حكومة حركة النهضة التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سورية ، عملت على تشجيع انتشار هذه الظاهرة، مع التساهل والاستهتار الذي تبديه قيادات حركة النهضة ، لا سيما الشيخ راشد الغنوشي ، ووزير الداخلية السابق ، ورئيس الحكومة الحالية السيد علي العريض، في التعامل مع التيارات السلفية الجهادية. ولعل منح تونس اللجوء السياسي لأبي قتادة الأردني، صاحب فتوى قتل النساء والأطفال في الجزائر بحجة عدم مساندتهم للجهاديين في بلد المليون شهيد، هو خير دليل على تساهل الحكومة التونسية. من جهة أخرى، يرى معارضون أن السبب الكامن وراء هذا السلوك هو حاجة «النهضة» لأصوات التيار السلفي خلال الانتخابات المقبلة . |
|