|
شؤون سياسية وإنما يكتسب وعلى الأخص في حقبة مثل التي نعيش، أهمية متزايدة، إذ أصبح استقلال كثير من بلداننا،استقلالاً يقف عند حدود الشكلية يفتقد معناه الحقيقي، بعد أن تمت مصادرة ارادة الشعوب وتهديم مقومات استقلالها، ودوس معايير السيادة للدول. وتجري المحاولات حثيثة ومتسارعة لجعلها توابع صغيرة، وصغيرة جداً، تدور في فلك الكبار بلا ارادة ولا مقاومة، وبعبارة أخرى، بات الحفاظ على الاستقلال أصعب وبكثير من الحصول عليه، وتحول النضال من أجل الاستقلال فعلاً إلى معركة مستمرة لا تتوقف، إذ تعمل القوى الكبرى المتنفذة في عالم اليوم، وبما لها من امكانات هائلة، سياسية واقتصادية وعسكرية وحتى ثقافية، على تقويض الاستقلال الحقيقي للبلدان الأضعف وافراغه من مضمونه، وتغييب هوية المجتمعات والشعوب، أيّاً كانت المسميات التي تندرج تحتها هذه المحاولات من نظام دولي جديد أو عولمة.. وسواها. وهنا يأتي دور ارادة الشعوب لتعوض فارق القوة والامكانات حماية لاستقلالها وصوناً لكرامتها، ونحن إذ نستذكر الأيام الخالدة التي أطرها نيسان تاريخاً ساطعاً ومشرقاً ولم يحد من انبثاقها وانتشارها بل ألغى من أمامها حواجز الزمان والمكان وأصبحنا نعيش أيامه مجداً وحرية وانبثاقاً قومياً و ألقاً انسانياً وعطاء متجدداً ضمن حالة وجدانية دائمة الحضور والاستعداد لتقديم الغالي والنفيس في سبيل تحقيق أهداف أمتنا العربية. ونستذكر أيضاً قائمة الضحايا التي قدمها شعبنا قرباناً على مذبح الحرية المقدسة في نضاله ضد قوى الشر والطغيان قوى الاستعمار المجرم اللئيم، ومن بين ما نستذكر الشهيد يوسف العظمة الذي قضى في ساحة الشرف بطلاً وظل في القلوب بطلاً يحفز الهمم ويهيب بالشعب قائلاً: «إياك أن تركن إلى الذل والخضوع، ففي ذلك الموت الحقيقي والفناء الأكيد». وفي التاريخ كثيرون من أمثال يوسف العظمة لاتزال أصداء نداءاتهم تدوي فتطغى على صوت الحديد والنار، وسيظل دويها هادراً أن يمحو الاستعمار وكل أنواعه القديمة والحديثة. فقد خرج الشعب السوري من معركة تحقيق الاستقلال في السابع عشر من نيسان ليجد نفسه مرة ثانية أمام الاستعمار في معركة لحماية الاستقلال وصيانته، فإذا هي معركة أشد ضراوة من معاركه السابقة، وإذا السلاح الذي يستعمله المستعمر الجديد هو أشد فتكاً وخطورة من الأسلحة السابقة. إنه سلاح الدس والتآمر ووراءهما كل وحوش الاستعمار الهائجة الحاقدة الضارية، جاءت إلينا بكل شعاراتها وأسمائها وأسلحتها وأنيابها وأظفارها غير أننا ثبتنا في الساحة رغم الكثرة في أعدائنا يشد من عزيمتنا الشعب في كل مكان بفدائه وتضحيته، بيقظته ووعيه، وأمام اشتداد الهجمة المعادية. ومن هنا، ينبغي علينا أكثر من أي وقت مضى التمسك بالثوابت القومية والوطنية التي نعيش ذكراها محطات لتجديد عزيمتنا وشحذ هممنا لتحقيق التواصل بين الماضي والحاضر، وأن لا تكون أقل صموداً وشجاعة من الآباء والأجداد الذين صنعوا لنا بفضل تضحياتهم ملحمة الجلاء... وعلينا أن ندرك أن المصائب هي محك الأمم وتزيدها قوة ومضاء، ولاتتفتح البطولات إلا في جو من المصائب والأزمات، ولا تحيا إلاّ بالشدائد، ولن تبلغ الأمم مآربها ولن تحقق مثلها العليا إلاّ بالوقوف في وجه أعدائها والتغلب على الكوارث التي تحل بها دون أن يتطرق إليها الخور والوهن واليأس، إذ ليس عاراً أن تطأ قدم الدخيل أرضنا الطيبة، إنما العار كل العار في تركها تستقر، والعار كل العار أن يتسرب الخور إلى العزائم ويستحوذ اليأس على النفوس. ليس عاراً ولا ارهاباً أن يهب شعب سلبت حريته وديست كرامته و هضم حقه في الحياة ليسترد الحق المهضوم والحرية المسلوبة ويستعيد الكرامة التي أهدرت. وليس عاراً ولا ارهاباً إذا أعلنا الحرب على الصهيونية التي اغتصبت فلسطين بوحشية وطردت إخواننا منها ولاتزال تطردهم وتقتلهم، فإن هذه الحرب مقدسة ولا يجوز لأيّ هيئة في العالم أن تدينها وأن تحول بيننا وبين تحرير الأراضي العربية المحتلة مهما طال الزمن، فقد تتعب النجوم من طول السهر لكنها الشمس التي لابدّ لنورها أن يسطع والصبح الذي لابدّ لضوئه أن يطلع ولتمتلىء الدنيا بالضياء. فلنتابع مسيرة الأجداد، ولنعلم أجيالنا القادمة وأبناءنا كيف تقهر ارادة النضال أقوى أسلحة العالم، وكيف للإنسان أن يزرع الحرية ويجعلها تورق وتزهر وتثمر، فنحن أمة استعذبت الموت في سبيل الحياة الحرة الكريمة. فلتكن أعيادك يا نيسان محطة نسمو بها مجداً عانق عظمة الماضي حضوراً فاعلاً بضرورة الارتقاء إلى مستوى المسؤولية القومية، إلى مستوى تضحية الشهداء، إلى مستوى التحدي الخطير الذي يهدد كيان الأمة، متمسكين بحقيقة أن الأرض التي جبلت بدماء الأحرار لايمكن أن تموت فيها الرجولة، وستبقى متألقة بحراس كرامتها، وقبساً للتحدي نستقي منه ألوان القداسة لقيم الفداء والتضحية، ربيعاً أورق أشبالاً أعادوا للحرية معناها، وللأمة أصالتها كأمة حية في موكب الأمم الصانعة للتاريخ الحديث. |
|