تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الذي قاتله السوريون..

الثلاثاء 16-4-2013
سعد القاسم

تورد الصفحات القليلة التي ترجمها الأستاذ الياس يعقوب من (الكتاب الذهبي) الفرنسي، رغم قلتها، ما يشير بقوة إلى روح عنصرية متأصلة لدى السلطات الفرنسية، على اختلاف مشاربها السياسية،

تجاه الشعوب التي ابتليت باستعمارهم، بما يتناقض كلياً مع مبادئ ثورة 1789 ، التي يتباهى الفرنسيون بها منذ أكثر من قرنيين، ويعدونها ملهمة الحرية والعدالة والمساواة في العالم.وهو ما قصده أحمد شوقي في قصيدته عن العدوان الفرنسي على دمشق حين قال:‏

رماك بطيشه ورمى فرنسا - أخو حرب به صلف وحمق‏

(الكتاب الذهبي) يتضمن سرد الوقائع الحربية التي انتصر فيها الجيش الفرنسي، ويضم فصولاً عن معاركه في سورية منذ احتلت قواته الساحل السوري عام 1918.حيث خاض (جيش الشرق) أولى المعارك الهامة، وفق توصيف الكتاب، الذي يسرد بالتفصيل في مكان آخر أسماء الوحدات العسكرية الفرنسية التي يضمها (جيش الشرق) هذا والتي خاضت قتالاً استمر لثلاث سنوات ونصف ضد أبناء البلاد المدافعين عن حريتها واستقلالها،قبل أن ينتقل القتال ليعم سورية بأكملها..‏

ففي واحدة من المعارك التي خيضت تحت الإشراف المباشر للجنرال (غورو) جاء في الكتاب أن الهجوم قامت به كتائب من شمال إفريقيا والسنغال،إضافة إلى الكتيبة (الطونكية)، وكتيبة من (الفرقة الأجنبية)..وفي حين يذكر أهالينا الذين عاشوا مرحلة الاستعمار الفرنسي لسورية الكثير من الحكايات عن الجنود السنغاليين الذين ضمهم جيش الاحتلال،وخاصة المجزرة المروعة التي ارتكبوها بحق حامية مبنى البرلمان.فإن ذكر (الفرقة الأجنبية) قد أثار في ذاكرتي مجموعة من الصور أحدثها كانت قبل بضع سنوات حين تابعت على إحدى المحطات الفضائية العربية برنامجاً خاصاً عن (الفرقة الأجنبية) يشيد بخصالها، ومآثرها، وشجاعة جنودها وتضحياتهم في سبيل شرفهم العسكري والمثل والقيم العليا التي يؤمنون بها ويقاتلون من أجلها!! وكان لا بد أن يجابه ما شاهدته في البرنامج التلفزيوني ما أعرفه في الواقع عن هذه الفرقة،وما استمعت إليه بمحض المصادفة من أحد أفرادها قبل نحو عشر سنوات..ولكن قبل ذلك لا بد من توضيح الفارق بين الكتائب الأجنبية التي قاتلت في صفوف جيش الاستعمار الفرنسي،و(الفرقة الأجنبية) التي كان يوماً ما موضع افتخار هذا الجيش..‏

تشكلت الكتائب الأجنبية في البلاد التي احتلها الفرنسيون ، فقد وجد بعض أبناء هذه البلاد في الانضمام إلى جيش الاحتلال وسيلة لتأمين عيشهم بعد أن أشاع المحتلون الفقر فيها، ودمروا إمكانيات نهضتها الاقتصادية فضاقت بالتالي فرص العمل،وبعضهم تم تجنيدهم قسراً.وقد حرص المستعمرون على استخدام هؤلاء الجنود الأجانب، وجلهم من المشاة، في المعارك الخطرة ليكونوا في مقدمة القوات، ولتكون الخسائر الأساسية بينهم لا بين الجنود الفرنسيين.‏

أما (الفرقة الأجنبية) التي أسهبت الفضائية العربية في سرد فضائلها،فهي تتألف من قوات النخبة، أو القوات الخاصة، لكن الأهم في الأمر أن جميع أفرادها هم من المرتزقة المتطوعين، أو المتعاقدين، بصرف النظر عن جنسياتهم،وبخلاف ما أوردته الفضائية العربية فإن هذه الفرقة (تتمتع) بسمعة غاية في السوء اكتسبتها بجدارة من المعارك التي خاضتها ضمن جيوش الاحتلال في مختلف أنحاء العالم،حيث كان أفرادها بسبب طبيعتهم الارتزاقية يرتكبون كل أنواع الجرائم المشينة في الأماكن التي يحلون بها،وكما سبق فقد التقيت بمحض المصادفة قبل نحو عشر سنوات بأحد أفراد هذه الفرقة الذي حدثني مطولاً عن مآثرها (!) من الجزائر، حيث كان مقرها الأساسي قبل استقلال البلاد، إلى فيتنام حيث كانت فرنسا تخوض حرباً استعمارية شرسة ضد الفيتناميين الذي ألحقوا بها هزيمة مدوية..أتبعوها بمثيلة لها ضد المحتلين الأميركيين..وقد حفل حديث المقاتل القديم بتفاصيل حياة مرتزقة (الفرقة الأجنبية) التي كانت تنحصر بين القتل والسلب والسرقة،ثم إنفاق ما كسبوه في البارات والملاهي حين يحصلون على إجازاتهم،وبعض ما كسبوه يكون مصدره رفاقهم الذين أصيبوا في المعارك،والذين لم يحظوا أبداً بفرصة الإسعاف أو العلاج أو محاولة الإنقاذ، ذلك أن (القيم العليا) لمقاتلي الفرقة الأجنبية تقوم بهذه الحال على سلب المصاب أمواله وغنائمه وحتى سلاحه، وتركه يواجه مصيره المحتوم في أراضي الأعداء.. هكذا يزور الإعلام الاستعماري و(توابعه) منذ ذلك الزمان وحتى يومنا هذا الحقائق والوقائع.. وطبيعي بالمقابل أن يطلق أسوأ النعوت على المدافعين عن حرية بلادهم واستقلالها وسيادتها..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية