تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كشف حساب

معاً على الطريق
الأربعاء 31-12-2014
علي نصر الله

اليوم تطوي سنة 2014 صفحتها الأخيرة، ويفعل التاريخ شيئاً مشابهاً ليضمها إلى أوراقه وصفحاته، فتكون جزءاً منه، ربما لا يفخر بها، لكنه لا يتبرأ منها، فهي جزء حقيقي منه، متصالح معها ولا يجد فيها ما تجد الناس التي عاشتها بمرارتها وحلاوتها.

وحدنا نحن البشر من نقول عن السنة الماضية: إنها كانت سنة خير، وإنها كانت سنة كذا وكذا، بينما هي سنة ككل السنوات لا علاقة لها بما يجري فيها وخلالها، وما خصّها أبداً بكثرة الأمطار أو قلتها فيها، ولا باشتعال الصراعات والحروب من عدمه، وبالمطلق يمكن القول: لا علاقة لها بانهيار منظومة القيم ولا بحدوث التغيرات المفاجئة في العلاقات القائمة بين الشعوب والدول، وليست هي من صنع التحديات الماثلة في عالمنا وأمامه.‏

نظامنا المجتمعي، وأنظمتنا السياسية والاقتصادية، وأداؤنا وفعلنا المباشر الواعي هو المسؤول عن صناعة كل ما تقدّم، خيراً وشراً وما بينهما، وهو الذي يؤسس لسنة قادمة سنضفي عليها مواصفات أخرى، وسننعتها بما هو ليس فيها، وبما لا علاقة لها به أيضاً، وهكذا نفعل دواليك كل سنة من دون أن ندري أننا نحن من نجعلها سنة كذا وسنة كذا وكذا.‏

التجار والصناعيون ورجال الأعمال يمسكون عادة دفاتر سنوية يدونون فيها مع المحاسبين المعتمدين كل قرش جرى إنفاقه وكل قرش تمّ جنيه، ليقف كل منهم على مقادير الربح التي حققها، والخسارة التي لحقت به، ليبني ويؤسس عليها في الحالتين، فيطوّر عمله أو يغير فيه، أو يتراجع عن بعض جزئياته لمصلحة أخرى.‏

السياسيون وقادة الرأي في المجتمع يفعلون الشيء ذاته، يستعرضون النجاحات والهنّات، ويقيّمون الفعل والأداء في المفاصل المهمة والأقل أهمية، ليتمكن كل منهم من تثمير النجاحات، ومن تجاوز الهنّات والصعوبات بتعزيز الاستعدادات وتطوير الأدوات ومحاولة تطويع الظروف أو التأقلم معها لتصويب الخطى والمسارات.‏

العامّة من الناس لا تفعل أقلّ مما تفعله الخاصّة سواء كانوا رجال أعمال أم قادة رأي في المجتمع، بل ربما تكون المراجعة اليومية التي تجريها العامّة أهم بكثير من المراجعات السنوية التي يجريها هؤلاء وهؤلاء، إذ غالباً ما تكون العامّة أكثر تفرغاً للوجدانيات وأكثر قرباً للقيم وأكثر التصاقاً بها، ولهذا وذاك فإنها تجد الوقت الكافي ربما لتُقدّم للذات كشف حساب يومي لا يهمل حتى أدقّ وأصغر التفاصيل.‏

ما أحوج العالم اليوم لجهة تمسك دفتراً أو سجلاً عملاقاً تُدوّن فيه الأعمال والممارسات اللاإنسانية التي تقوم بها عامدة متعمدة إسرائيل وأنظمة الغرب المتوحشة (أميركا وأذيالها في المشرق والمغرب)، وما أحوج العالم اليوم لجهة قادرة - لا تشبه مجلس الأمن الذي تصادره أميركا وتعطله - يُقدّم لها هذا السجل ككشف حساب، سنوياً كان أم شهرياً، ليصار إلى المحاسبة التي تتيحها القوانين الوضعية المتوافق عليها، ولو عزمنا على ذلك، وقُيّض لنا، وقمنا به، فللتاريخ أن يسجل كم نكون رحماء راشدين نصنع بوعينا التام وبأيدينا سنة خير ورقي وسلام تقدم لأخرى وتؤسس لأخريات من الزمن القادم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية