تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يحتاج فقط لمن يُدخله أفران الصياغة..التجـــارة تصحـــو على ذهــــب الزراعــــة

الثورة
اقتصاديات
الأثنين 16-7-2012
علي محمود جديد

أعدّت غرفة تجارة دمشق تقريراً متوازناً لا يطول الوضع التجاري وحده، وإنما امتدّ ليطول تصوّر قوى التجار في دمشق لمجمل ما يمكن فعله من أجل إحداث تأثير جدّي وفعّال بعملية الإصلاح الاقتصادي التي اعتبرتها الغرفة بلا قيمة ولا معنى إن لم تنعكس فعلياً على الناس بزيادة الدخل والرفاهية،

ومن هذا المنحى قالت الغرفة في تقريرها حول الأسس المطلوبة لعملية الإصلاح الاقتصادي ( لا معنى لأي سياسات اقتصادية لا تستهدف بالنهاية زيادة دخل الفرد وخلق قيم مضافة جديدة لان الإصلاح ليس مطلوبا لذاته بل لتحقيق جملة من الأهداف تصب في مصلحة المواطن )‏

نَفَسٌ جديد مُبشّرٌ بالخير، يراعي المعادلة الصحيحة في الحياة التجارية، فالتاجر لن يستطيع الاستمرار في نشاطه إن ضعفت القوة الشرائية عند المستهلكين، لأن الكساد سيواجه سلعه التي لن تجد طريقاً للاستهلاك، ولذلك حفاظاً على قوة شرائية عالية تضمن له تسويق سلعه لابد من وجود طرف آخر قادر على الشراء، فلا يكفي أن ينظر التاجر إلى طرفه هو وتبقى تطلعاته مقتصرة على كيفية تحقيق الأرباح بغض النظر عن أي شيء آخر، وسواء كانت هذه المطالبة بزيادة دخل الفرد ناجمة عن إحساس التاجر فقط بمصلحته، أم كانت ناجمة عن إحساسه بظروف الآخرين الاجتماعية فإن هذا لا يهم، المهم أنه مطلب يتطلع إلى تحقيقه الكثيرون ويساهم في توطيد العدالة الاجتماعية.‏

الشيء الأبرز الآخر في تقرير غرفة التجارة تمثّل في تركيزها غير المسبوق على الزراعات القابلة للتصنيع وعلى ضرورة الاستثمار المكثف في الصناعات الزراعية، وهذه مسألة في غاية الأهمية باعتبارها تُشكّلُ صحوة حقيقية لضرورة الالتفات لمقدرات البلد ومنتجاتها والاهتمام بها وعدم التعامل معها ببساطة حتى نتمكّن من تحقيق أكبر قدر ممكن من القيمة المُضافة عليها، والكف عن عدم الاهتمام كما يجب، والجديد في هذه الدعوة أنها تأتي من التجار الذين كانوا يساهمون إلى حد كبير بالتأثير السلبي نحو الاندفاع باتجاه استثمار المنتجات الزراعية بالشكل الأفضل وتحقيق أعلى قيمة مضافة ممكنة لأنهم عوّلوا كثيراً على المستوردات أكثر من المنتجات المحلية، ومن هنا تأتي أهمية هذه الدعوة اليوم من غرفة تجارة دمشق لتضع الواقع الزراعي الغني في سورية مثار اهتمام وسعي جاد من أجل تشكيل أهداف تجارية ثمينة من خلاله، يقول التقرير: ( التركيز على تكافؤ الفرص بين المواطن خاصة بالنشاط الاقتصادي وإعادة إحياء الطبقة الوسطى وتنشيط الريف وتشجيع الصناعات الزراعية والغذائية ) وفي مكان آخر جاء بالتقرير: ( اعتماد نهج للتجارة الخارجية غير قابل للتعديل أو التبديل وزيادة حجم الاستثمارات الزراعية والحيوانية والتركيز على الزراعة القابلة للتصنيع وتمكين ودعم الصناعة النسيجية والكسائية وحمايتها بالشكل المناسب دون المساس بحرية التجارة استيرادا وتصديرا والتركيز على الصناعات الأخرى ذات القيمة المضافة المحلية الأعلى ) ومن المعروف أن الصناعات النسيجية والكسائية – كما سماها التقرير، أي صناعة الملابس – تعتمد إلى حد بعيد على منتجاتنا من الأقطان والأصواف.‏

وفي مكان رابع جاء في التقرير: ( ‏ وفيما يتعلق بالمنتجات الغذائية أكدت الغرفة على التوجيه لتصنيع المنتجات الزراعية بشكل يتناسب مع متطلبات الأسواق المستهدفة ) وفي الواقع فبمقدار ما كانت هذه الصناعات الغذائية مضطربة في القطاع العام الذي شهد إغلاق العديد من شركات الكونسروة وغيرها من الشركات المنتجة للفستق والبسكويت والمعكرونة، استطاع القطاع الخاص أن يحقق عملاً نوعياً في إنتاج المواد الغذائية وظهرت بعض المنتجات التي اكتسبت ثقة عالية عند المستهلكين في مجال الكونسروات بأنواعها، والمعكرونة والبسكويت والمخللات وحتى المكدوس والعصائر، ولو شعر القطاع الخاص الصناعي أن التجار يحثّونه على زيادة التصنيع الزراعي الذي يعني ضمناً العمل على تسويق المنتجات التي يمكن طرحها بالسوق وبقوة، سواء من خلال التسويق الداخلي أو التصدير إلى الخارج، لو شعر بذلك لكنّا على الأرجح قد شهدنا تركيزاً كبيراً على هذه الصناعات الغذائية التي تعتبر سورية غنية جداً بمادتها الأولية من خلال منتجاتها الزراعية المتنوعة والضخمة بالنسبة لاحتياجات الاستهلاك المحلي، فاليوم يمكننا القول بأن الوضع قد تغيّر نحو مزيد من التحفيز باعتبار أن الجناح التجاري يشجع على مثل هذه الصناعات.‏

وفي مكان خامس عاد تقرير غرفة التجارة ليؤكد من جديد على ( وضع خارطة استثمارية لتحسين الواقع الاستثماري تركز على استراتيجية الصناعات التي تتمتع بها سوريا بميزة نسبية مثل الصناعات النسيجية والغذائية حسب أهمية المشروع الاستثماري في عملية التنمية وإتاحة الفرص لقطاع الأعمال لإقامة جميع المشاريع الاستثمارية ) وهنا تظهر النوايا البيضاء الطيبة والمشجعة التي يبيتها التجار تجاه الصناعات الغذائية الذين يبدون متحفزين – من خلال تقرير الغرفة – إلى أبعد الدرجات للتعاطي الجاد مع تسويق هذه المنتجات التي بطبيعة الحال يجب أن تمتاز – كما هي بالعادة – بأفضل المواصفات ودرجات الجودة العالية، لاسيما وأنها مستندة إلى منتجات أراضينا المنتجة لأفضل أنواع الزراعات.‏

وفي مكان سادس بتقرير غرفة التجارة الذي لا يتجاوز ( 620) كلمة جاء فيه أيضاً: (أما الإصلاحات الزراعية فتشمل التركيز على الزراعات ذات الميزة النسبية والتنافسية والسماح بزراعة الأراضي القابلة للزراعة دون التقيد بالخطط والعمل على تصنيع المنتجات الزراعية والحيوانية في أماكن إنتاجها ) إنه بالفعل تركيز غير مسبوق لغرفة التجارة بالزراعة والصناعات الزراعية ويمكن القول بأن التجارة تصحو من جديد على الواقع الزراعي الذهبي في سورية الذي يحتاج فقط إلى من يدخله أفران الصياغة.‏

نشير أخيراً إلى أن التقرير تناول العديد من القضايا الاقتصادية الأخرى التي سنتناولها بالقراءة والتحليل لاحقاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية