|
ثقافة وهكذا... الخراب في شتى حالاته استهتار بوعي المتلقي وقتل ثقافة روحه المتبقية، رغم قلة امكانات البقاء الروحي.. ورغم كثافة الفلتان من ثقافة الحب وعقل الحب.. مخرجون كبار قدموا ذات ظهيرة درامية، ظلالاً فنية راقية ورحبة ثم ضلوا طريق النجاح والدهشة الدرامية، وسقطوا في مستنقع المال الدرامي، ولعلهم سقطوا في وحل النرجسية اللعنة؟! باب الحارة بدأ واحداً من أهم أبواب الدهشة في الدراما السورية ثم تضاءل الباب حتى صار وهم باب ووهم حكاية ممزقة الأوصال والبدايات والنهايات.. وتعاظم الوهم الدرامي جزءاً بعد جزء حتى صارت الأحداث والشخصيات والروابط بينها ضروباً من الخرافات والخيالات الخرافية.. الجزء الأخير من باب الحارة (وجبة تلفيقات تاريخية وحكائية ووجبة تخريف في العديد من مقاطعه المشهدية وأفكار قصته)... المخرج الكبير، ليس عيباً أن يبقى كبيراً، وأن يسجل اسماً أقوى من المال وأعظم شأناً، لأنه في الأساس يجلب المال، وقادر أن يجعله خادماً لأغراضه الدرامية الحاذقة، ووسيلة مطواعة لتحسين واقع أبواب المسلسل وشبابيكه.. ولا ينبغي على الكبير أن تتضاءل قامة روحه ورؤاه لصالح المال؟! هل يحق للفنان الذي حقق مرتبة الكبير بتعب وشقاء واجتهاد وصبر وموهبة أن يدفن كبره في جزء من مسلسل أو في خاتمة؟.. الفن بلا خواتيم، بل يظل يفتتح الخواتيم ويمدها بالنجاحات والرؤى.. الفن الناضج خبرة عظيمة لا تشيخ ولا يليق بها أن تشيخ!؟!! سقط لسوء الحظ باب الحارة الأخير وما قبله بقليل في عيب التكرار والتلفيق الدرامي والتخريف القصصي ولم يعد مربكاً للمؤلف أو المخرج أن (يرقع) أي ثوب حكاية بأي طرف ثوب حكاية أخرى وأن يجمع التخريف مع التحريف، وعلى المتلقي أن يصدع رأسه وروحه بالكثير من الضلالات الدرامية والعتب على الفنان الكبير كبير.. (وعلى قدر المحبة الكبيرة العتب كبير..) مسلسل صبايا تلفيقات أخرى وكذبات درامية أخرى...واستعراضات أنثوية وفعل إثارة وطغيان علاقات دارجة جداً وسوقية جداً وخرافية زيادة عن الحاجة... ومثله مسلسل (تحت المداس) المكتظ بالهلوسات والمشاهد المعادة آلاف المرات.. وطريق النحل ومسلسلات ومسلسلات إلى آخر الدوار والمتاهات التي صارت بالمرصاد أمام المشاهد... عصرنا استبدل أمومة الجدات وحكايتهن وقتل صحوة الحب والرشاد العاطفي، وجعل بديلاً عن الأمومة الشاملة الرحيبة الحنونة أمومة (تكنولوجيا) الصورة والإثارة الصورية والاستعراضية .. وشتان بين الأمومتين... الحب في أبأس حالاته ليس مهرجان عرض أزياء وليس الإثارة والعزف على وتر الجسد بعيداً عن الروح.. لكن سطوة المال المرضية زلزلت القناعات الفنية وغير الفنية، و(شطحت) الحب من أعلى رأسه إلى أسفل حذاء الوحل..وقت وحل، وعلاقات وحل.. وإثارة وحل، والحسن المتداول وحل، والمفاتن المستهلكة وحل. والقلب المفرغ من وهج الحب وحل.. ومن سوء التدابير والتقدير صارت الدراما وحلاً وصارت المسلسلات متاحة لأي مبتدىء ومستسهل: بين خطوة وخطوة يصير الفاشل مخرجاً وتصير الدلوعة مخرجة أو عالمة شرف.. وغدا الاستسهال شاملاً: الصبايا يستسهلن الاثارة والسقوط، وخاصة أن الجسد بمتناول العرض والطلب. والمتطفلون على الكتابة يستسهلون الكتابة وتلفيق المسلسلات والمال أكثر المستسهلين استسهالا،ً إذ يستسهل (تسليع) الانسان و(تسويق) قيمه وجعلها معروضة للبيع والشراء بأبخس الأثمان أو الأتمان... لست متوتراً أو حاقداً بل محب كبير وغيري الكثيرون ليسوا متوترين بل محبون كبار ووطنيون من الطراز الرفيع، لكن السقوط المروع الذي وصل إلى قامات رؤى الانسان وعمود وعيه وعقله يدعو للتوتر والارتباك والصراخ، إن كان للصراخ جدوى؟! أوقفوا المال عن تخريب جسد الوعي العربي والوجدان العربي والصبايا العربيات.. أوقفوا موتنا أيها الدراميون والاعلاميون والمؤلفون القادمون من الضعف والتلفيق، والمجرات الأخرى: دراميون ودراميات بالجملة ومطربون ومطربات بجملة الجملة وعلى المتلقي الصبر والسلوان؟ لسنا طامحين إلى حياة سوانا، لكننا في ذات اللحظة طموحناالفني كبير بقدر ما شاهدنا دهشة الدراما السورية قبل أن تشملها مرحلة الشيخوخة.. أفلام وفانتازيا وتواريخ وبرامج ومهرجانات وملتقيات وسباعيات وثلاثيات ومسلسلات أخرى غير (صبايا) وباب الحارة وباب غير الحارة تعد المشاهد بـ(وعكات) نفسية من غير طائل فني يخدم المشاعر، ويدعو الحواس للبهجة الفنية والخبرات السارة، بل يدخل الروح في (دوخة) ودوار، لا ينتهي... قبل الدراما السورية خدعت المخيلة العربية بتلفيقات الدراما المصرية وأوهام الملفقين الدراميين، والآن طفت على السطح (الدراما المدبلجة) ذات الاثارة والخيالات المنفلتة من توازنات العلاقات الانسانية وواقع الوجود الانساني.. والفن أساسه الخيال والشغل الفني المبدع على المشهد والصورة والربط الدرامي بين الحدث والحدث والشخصية والشخصية والمحبين والمحبوبات، أما الذي تصفعنا به جمهرة الفضائيات أغلبه ليس شغلاً فنياً مبدعاً وليس ربطاً درامياً بين الأحداث والشخصيات، بقدر ما هو ترقيعات وتقليعات تأليفية واخراجية وصورية ومحاولات خروج على الانساني باتجاه الوثنية العصرية التي قذفتها بها تشوهات الحضارة.. وقبل أي أداء أو موقف، المخرج مؤلف بارع بقدر ما يمتلك من قناعات كبيرة وبقدر ما يؤلف من قناعات في اصغاء المشاهد وروح المجتمع... تخلى المخرجون الكبار عن تأليف القناعات والتفضيلات الجمالية والذوقية والفنية لصالح قناعات المال والنرجسية المفرطة وهذا سبب أكيد في انحدار الدراما من القمة إلى الحضيض: مسلسل من أفضل المسلسلات في جزئه الأول غدا في جزء غير أول أسوأ المسلسلات، كيف يقبل الفنان الكبير أن يدفن نجاحه في مسلسل أو حلقة مال مفقودة أو موجودة؟! التشوية سمة أساسية في غالبية التقليعات والتلفيقات الدرامية التي نراها ونتابعها. التشويه ليس فناً بقدر ما هو ضعف ولعب في الوقت المستقطع على حساب الانسان وروحه وخبراته العقلية.. هجمت المسلسلات وهجم المسلسلون على التاريخ البعيد والقريب، وهجموا على الحكايات والقناعات والعلاقات وأزمنة الوجد والحب والنساء والرجال، والذاكرة والمستقبل، وخنقوا زمان الانسان في تعقيدات ليست حباً أو فناً أو تجديداً بل تلفيقاً وتخريفاً... جميع الانسان وقلبه وعقله وكياناته .. جميع الانسان مستباح للتشويه والتلفيق والخيالات، التي هي ليست خيالات فنية أو توازنات درامية راقية.. الخيالات تخلق توازنات رشيقة بين ضفاف الرؤى وبين الواقع والأمل.. بين الانسان وأمانيه.. بين الحب والرغبات الشغوفة.. أما الخيالات الدارجة في المسلسلات والسباعيات والثلاثيات والمشهديات التلفزيونية الأرضية والفضائية معنية بالتشوية وبسط نفوذ التخريف.. المشاهدون اليوم يتابعون الكثير من المسلسلات ليصابوا في نهايتها أو أثناءها بحالة من الصرع الغرامي والاجتماعي.. ولعلهم سيصلون إلى حالة يصابون بعدها بالخرف وسوء التدابير العقلية، ويضيعون في خرائب الدراما العصرية؟! مسلسل من النوع التلفيقي الرديء يهدي العديد من حالات الصرع الغرامي والخرف العائلي والتشويه القيمي!؟ ماتت لغة الحب لصالح لغة ليست حباً أو لا لشيء إلا للهلاك والضلالات غير الانسانية.. وماتت الحكايات والجدات وماتت الأمومة الراقية التي كانت تربط الأبناء بالأهل والجيران بالجيران، وعاشت بديلاً عنها أمومة الصور و(التكنولوجيا) الفضائية، وهذا ما جعل التشوهات الغرامية بديلة عن العلاقات الحنونة والتفضيلات الجمالية والذوقية... |
|