|
شؤون سياسية وهي حافظت على هذا الموقع رغم انسحاب فرنسا الديغولية من ترتيبات الحلف العسكرية 1964، وحتى رغم الهجوم على سفينة التجسس الأميركية «ليبرتي» في 1967. ولذلك فإن انعطافة «الناتو» نحو إشراك «إسرائيل» في فعالياته ذات عنوان سياسي. إنها محاولة من الغرب الأميركي - الأوروبي لإعطاء «إسرائيل» تعويضاً عاجلاً عن الفاقد الاستراتيجي التركي، المتكون في خلفية قرار أنقرة الخاص بإقصاء «إسرائيل» عن المشاركة في تدريبات جوية مقررة سنوياً منذ 1997. وقد قرأ الإسرائيليون، من المستويين العسكري والسياسي، خطوة أنقرة على أنها خطيرة رغم أن تركيا عضو في «الناتو» ليس بالنظر إلى حجم الضرر المترتب على الخطوة من الزاوية العسكرية وإنما بالنظر إلى مدلولها السياسي. ثاني هذه العلائم الانقلابية وهي وثيقة الارتباط بالأولى وتشكل جوهر مدلولها هي إعادة كل من أنقرة ودمشق تصويب المسار في علاقتهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدفاعية، وبلوغ هذا التصويت الذي كان جارياً منذ 1999 تتويجه بميلاد اتفاق التعاون الاستراتيجي في 16/9/2009. وفق كل القراءات وفيها الإسرائيلية خاصة، فإن الطور المستجد في علاقات دمشق - أنقرة انقلاب على سجل مواجع قرن بأكمله تجرع البلدان في صفحاته مرارة الشقاق وأكلافه. ولذلك فإن انعقاد المجلس الوزاري الأول السوري - التركي في حلب 13/10/2009 وعلى نحو احتفالي مفعم بالحميمية قرينة حاسمة على نشوء وضع جديد في مرتسم تاريخ المنطقة، لا تملك «إسرائيل» معه إلا أن تقلق. يتقدم إلى الصدارة في بواعث القلق الإسرائيلي اليقين بالغربة في إقليم شرق المتوسط، على الرغم من جهود حثيثة بذلها صناع القرار الصهيوني على ضفتي الأطلسي للتقليل من شعور «إسرائيل» بأن هذه الغربة يقينية، بقوة الاندفاع في سياسة إفساد العلاقة بين العرب وجوارهم الجغرافي. كانت علاقة إيران - الشاه متطورة مع «إسرائيل» وهذه حال تبددت بعد 1979 ولم يعوضها انتعاش «التطبيع» مع بعض العرب، وهو الغاية الأصلية من تطويق الطوق العربي بدول الجوار الجغرافي، فهذا «التطبيع» كان عرضة لامتحانات قاسية مرات شتى صادمة للروع الإسرائيلي، ربما كان أشدها مدعاة للتأمل هذا الغضب العربي العميم الرسمي والشعبي على إجهاض سلطة رام الله لتقرير غولد ستون. ومما يفاقم أزمة الشعور بالغربة لدى «إسرائيل» أن توصد تركيا، وهي عضو في حلف الناتو أبوابها تباعاً في وجهها ولأسباب تتصل بملفات الصراع العربي - الصهيوني، ولاسيما غزة والجولان، وفي إطار الاختيار التركي النهائي لعمقها المشرقي العربي الإسلامي، بما في ذلك تسوية علاقاتها مع أرمينيا. ولذلك اتسمت ردود الفعل الإسرائيلية على السمت التركي المستجد والمتناغم مع الخطاب السوري بكونها مرتبكة مترددة وشديدة الوجل، فقد قالت صحيفة «هآرتس» في 14/10/2009: «لن نشن على تركيا حرباً في وسائل الإعلام» أي ان النية انعقدت في الدوائر الصهيونية على خوض «حرب قذرة» ضد تركيا بوسائل ملتوية من تلك التي درج الصهاينة على استخدامها في مناهضتهم لكل ما هو ايجابي ونبيل في الحياة العامة العربية. وبالزيارتين المرتقبتين للسيد رجب طيب أردوغان إلى كل من طهران ودمشق على التوالي يكون «قطار الشرق السريع» قد انطلق. وهذه الانطلاقة وإن تكن وئيدة لكنها أكيدة في استحضار الحياة إلى الحلم الموءود منذ قرن تماماً، والذي كان معلقاً على شريان الخط الحديدي الممتد من اسطنبول إلى ضفاف الخليج العربي مروراً بحلب، وعلى شريان الخط الحديدي الواصل بين الأناضول والحجاز، عبر دمشق. ومن الجلي أن عربات هذا الشريان مشحونة بالرغبة والوعد في النفع المتبادل للخيرات بين العرب وتركيا، وعلى نحو ليس فيه متسع للغريب الصهيوني الوافد، بالإرهاب المنظم إلى هذه الديار العربية الإسلامية، ولاسيما أن مهندس هذا المرتسم المستجد في مشهد المنطقة السيد الرئيس بشار الأسد يتطلع بثقة إلى مشروع أشمل من فضاءات «قطار الشرق السريع» أنه استنطاق أحكام الجغرافيا وأقدارها المنسجمة مع حقائق التاريخ، مشروع ربط البحار الأربعة: المتوسط والأسود وقزوين والخليج العربي. وفي تفاصيل هذه الإدارة الجديدة للحقائق الموضوعية التي كانت مهملة ينطلق «قطار الشرق السريع» بعزيمة وثبات نحو الأفضل الواعد. |
|