|
جون أفريك لقد نجحت فرنسا، بفضل سلسلة من المبادرات التي أطلقتها، أن تفرض نفسها بصفتها القوة الأجنبية الأكثر تأثيراً على الساحة اللبنانية. وبهذا تكون قد حلت محل قوى أوروبية أخرى، وحتى حلت محل الولايات المتحدة، ويعود تاريخ التقارب الحديث بين الدولتين إلى عام 2008، عندما دعا الرئيس نيكولاساركوزي نظيره السوري بشار الأسد لحضور الاحتفال بتدشين الاتحاد من أجل المتوسط في باريس في الثالث عشر من تموز، ومن ثم في الرابع عشر منه حضور العرض الذي تم لذكرى إنزال النورماندي. ويعتبر هذا الدفء الذي سرى في أوصال العلاقات بين البلدين حدثاً عظيماً لأنه يكرس رد الاعتبار إلى سورية، بصفتها قوة اقليمية لايمكن تجاهلها كما حاول الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، وقد قام خلال السنوات الأخيرة العديد من الوزراء الأوروبيين بزيارات إلى دمشق، مبرزين عهداً جديداً من التعامل مع دمشق، وانتهاء العزلة التي فرضتها واشنطن عليها. وعبر إقامة مشروعات ضخمة يتطلع الرئيس ساركوزي إلى إرساء جسور قوية بين دول الاتحاد الأوروبي والبلدان على الضفة الجنوبية من المتوسط أملاً في أن تحقق هذه المشروعات المشتركة نقلة في عملية السلام الاسرائيلية العربية. واجتاز الغزل بين باريس ودمشق مرحلة جديدة، مع الزيارة المثمرة التي قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مطلع شهر تشرين الأول، والتي توجت بلقاء وصفوه بالبناء مع الرئيس نيكولا ساركوزي، وحسب مصدر فرنسي فإن العلاقات بين سورية وفرنسا إضافة إلى أنها مبنية على ثقة تامة فإنها تمهد لعلاقات تشاركية بين الدولتين، حيث تتحدث فرنسا الآن عن سورية كشريك أساسي تقيم معها علاقات ثنائية ممتازة في جميع الحالات، كما تضغط فرنسا الآن على شركائها الأوروبيين من أجل التوقيع بأقصى سرعة ممكنة على اتفاق شراكة مع دمشق، ومن جهته أشار المعلم في باريس إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه فرنسا في عملية السلام العربية الاسرائيلية وأثنى على جهودها من أجل إحلال السلام والاستقرار في العراق ولبنان. وقد اتفق البلدان، والكلام مازال للمعلم، على ضرورة أن يكون للبنان حكومة ويعود على اللبنانيين وحدهم تشكيلها، ففرنسا وسورية تريدان حكومة لبنانية يكون طابعها (صنع في لبنان). وفي الشأن الثقافي سوف يتم افتتاح مدرسة فرنسية ثانية في دمشق، في وقت أصبحت لغة موليير لغة إلزامية في المدارس السورية، وأوفد الرئيس ساركوزي عقب زيارة المعلم إلى باريس السكرتير العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان إلى دمشق ومستشاره الدبلوماسي جان - ديفيد ليفيت بينما زار مستشاره الخاص هنري غينو بيروت. وفي الوقت الذي كان يسعى فيه الرئيس ساركوزي إلى تحسين التقارب مع سورية كان الرئيس الأوروبي الأكثر انتقاداً حيال الحليف الاستراتيجي الرئيسي لدمشق وهي إيران - ولاسيما فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وهو موقف يرمي إلى طمأنة اسرائيل. ولكن المؤكد أن فرنسا حسمت أمرها لتكون الدولة الأجنبية الأكثر نفوذاً من الناحية التجارية والسياسية والثقافية في المنطقة. في الوقت الذي يبدي فيه الرئيس ساركوزي اهتماماً بأمن اسرائيل وإن كان في الوقت الحالي لايبدي تعاطفاً مع حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب انطلاقاً من قناعته أن الوضع الحالي في الشرق الأوسط بات غير مقبول، وإن القيام بإجراءات دولية، من ضمنها إعطاء ضمانات للطرفين، بات أمراً ضرورياً لوضع عربة السلام في المنطقة في سكتها الصحيحة، والرئيس ساركوزي عازم على لعب دور الصف الأول للإعداد لحل شامل للصراع العربي الاسرائيلي يكون فيه إقامة دولة فلسطينية حسب رأيه الضمان الوحيد لأمن وبقاء إسرائيل. ويثير التردد الذي يطبع خطوات الرئيس الأميركي باراك أوباما في اتجاه السلام في المنطقة قلق الرئيس الفرنسي، وقد أبدت فرنسا مساندتها للوساطة التركية في المحادثات بين سورية واسرائيل والتي انقطعت بسبب الحرب الاسرائيلية على غزة في كانون الأول المنصرم، وكان المعلم قد أكد من باريس أن سورية مستعدة لاستئناف مباحثاتها مع اسرائيل عبر الوسيط التركي. وترافق انفراج العلاقات بين سورية وفرنسا ودول أوروبية أخرى، مع انفراجات في علاقات سورية مع الدول العربية وكان أهمها مع السعودية التي توجت بزيارة الرئيس بشار الأسد إلى الرياض، وزيارة الملك عبد الله إلى دمشق، وأعلن الوزير المعلم من باريس بكل وضوح (أن سورية دولة عربية وتعتز بذلك وهو واقع نعيشه ونحياه في كل أيامنا، تربطنا علاقات متينة مع جميع الدول العربية، ومن ضمنها علاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي. وأضاف: إلا أن سورية تربطها أيضاً علاقات جيدة مع إيران، الدولة التي تدعم بحزم القضية الفلسطينية منذ عام 1979، وعندما سعى العالم إلى عزل سورية سارت بعض الدول العربية والأوروبية في الركب، غير أن إيران اختارت تمتين روابطها معنا. واستطرد المعلم: إن سورية تعتبر من دول الخليج خطاً أحمر وتعود لإيران مسألة طمأنة دول الخليج بسلمية برنامجها النووي. وفيما يتعلق بمسألة النزاع المفتوح بين الغرب وطهران أكد المعلم أن سورية تؤيد البحث عن حل يكون عبر المفاوضات وتعارض فرض العقوبات أو اللجوء إلى المواجهة. |
|