|
الاثنين 19-10-2009م قيمة ثم الهروب السريع منها. ولكن بحلول عام 2007 فإن عصابات القراصنة، التي توصف بأنها صومالية، قامت بتطوير عملها بصورة دراماتيكية، فهي لم تعد تولي الأدبار بعد وهلة قصيرة من سيطرتها على السفينة، بل أصبحت تعمد لاقتيادها في عرض البحر، مع حمولتها وطاقمها، نحو جهات مجهولة، محتفظة بهم جميعاً كرهائن حتى يتم الافراج عنهم مقابل فدية مالية غالباً ما تكون مبلغاً بسبعة أرقام... ومع بروز هذا التطور فقد وسع القراصنة (الصوماليون) النطاق البحري لعملهم من خليج عدن ومن نقطة قريبة من قناة السويس إلى ساحة عمليات تقدر مساحتها بمليون ميل مربع في المحيط الهندي، حيث بلغ عدد السفن التي تعرضت للقرصنة في النصف الأول من عام 2009 ما يزيد على 130 سفينة تجارية من أنواع مختلفة، وذلك مقابل 24 فقط في النصف الأول من عام 2008، وفي كل حالة من الحالات التي حصلت في عام 2009 طلب القراصنة فدية مالية مقابل الافراج عن السفينة وطاقمها وحمولتها. ولقد بدا واضحاً أن هذا الشكل القرصني المتطور يضع مكتتبي التأمين البحري في شركات التأمين وشركات اعادة التأمين، والشركات المالكة للسفن، في مواجهة جدية مع خطر بحري قديم ولكن بكيفية من نوع جديد، فالسفن التي تعرضت للقرصنة في العام الجاري انتهت معظمها باسترجاع السفينة والطاقم والحمولة، بعد انتهاء عملية الاختطاف، دون ضرر مباشر يذكر ودون ايذاء حقيقي، إذ تجسدت الخسارة المادية في مبلغ الفدية الذي دفع للقراصنة مضافاً إليه مبالغ أخرى اقتضى انفاقها للوصول إلى هذا الافراج. في الحقيقة إن عدداً محدوداً فقط من مالكي السفن كان يتوافر لهم غطاء تأميني ضد الاختطاف والفدية، بحيث لا يثير التعويض كثيراً من الاختلاف، وبالرغم من ذلك فهم تقاسموا مع الشركات التي أمنوا لديها مبلغ الفدية وما ترتب من خسائر مادية أخرى، وذلك يعكس الاعتقاد بأن تكرارية الخطر وتطور وسائل القرصنة وأبعادها التي ظهرت في عام 2009 وما ترتب عليها، عدلت بصورة جوهرية جملة المعطيات التي كانت معروفة عند إجراء التأمين. وفي الوقت نفسه فإن ثمة العديد من القضايا والنزاعات القانونية بين شركات التأمين ومالكي السفن عرفت طريقها إلى المحاكم ولجان التحكيم المختلفة، ما حدا بعدد من كبار وسطاء التأمين الدوليين في سوق لندن والأسواق العالمية الأخرى إلى طرح أفكار جديدة مبنية على ضرورة وجود تأمين خاص يغطي بصورة كاملة الخسائر الناشئة عن الاختطاف والفدية وما يتبعها وينتج عنها من خسائر اضافية، وقد تبلور هذا الاتجاه لدى مكتتبي التأمين البحري منذ أواخر عام 2007 وبداية 2008 ما اعتبر ضرورة أملتها متطلبات التعامل مع واقع جديد. ومن البديهي أن تغطي وثيقة التأمين الخاصة بالاختطاف والفدية مبلغ الفدية المدفوعة للقراصنة كبند أول وأساسي، ولكن ما الحدود المالية لهذه الفدية؟ فالخاطفون قد يطلبون مليوناً أو عشرة ملايين أو أكثر من ذلك بكثير، وهذا يضع مسؤولية شركة التأمين أمام احتمالات مفتوحة من حيث حجم الخسارة المحتملة كما يخلق صعوبة وضع قسط تأمين محدد سلفاً. وتغطي الوثيقة المقترحة، لاستدراك الوضع الجديد، جميع النفقات المتعلقة بإجراء المفاوضات مع القراصنة كما حصل مع «مالسبينا كاسل» حيث تم دفع فدية 1،8 مليون دولار إضافة إلى مبلغ مماثل لتكاليف متصلة بمفاوضات الإفراج، ثم إن الفدية نفسها تستوجب التأمين عليها في حالة الضياع أو السرقة وهي في طريقها لتسلم للمختطفين وفي حالة القرصنة على سواحل الصومال غالباً مايتم اسقاطها من طائرة مروحية فوق سفينة الخاطفين، و هذا يشكل بحد ذاته خطراً إضافياً. كما قد يترتب على عملية الاختطاف أن تتحمل وثائق التأمين نفقات العلاج الطبي والنفسي لطاقم السفينة بعد الإفراج عنها، وثمة خسارة مالية أخرى محتملة وهي انخفاض أسعار الحمولات على ظهر السفينة مثلما حصل بالنسبة لناقلة النفط السعودية «سايروس ستار» التي اختطفت بتاريخ 17 تشرين الثاني 2008 وكانت تحمل 2 مليون برميل من النفط قيمتها (109،9) ملايين دولار وبانخفاض الأسعار الذي شهدته الفترة التالية للاختطاف انخفضت قيمة النفط المحمول على ظهرها إلى (81،66) مليون دولار. ومن منطلق آخر ظهرت الضرورة إلى تضمين خسائر تعطل الباخرة عن الإبحار وما يؤدي إليه ذلك من خسائر مالية للشركة المالكة «خسارة أجر المثل» وهذا الخطر كان بشكل صريح من تغطية الاختطاف إن وجدت ولكن منذ عام أصبح مطلوباً مقابل قسط تأمين إضافي ملحق بوثيقة تأمين الاختطاف، وخاصة بعد أن تمت تسوية فترة اختطاف السفينة «مالسبينا كاسل» وتعطلها عن العمل على أساس (11000) دولار لكل يوم عن فترة الاختطاف التي استمرت 55 يوماً. وأمام هذه الاكلاف التي سيؤدي إليها توسيع الغطاء التأميني ليشمل التعويض عن جميع أنواع الخسائر التي ذكرت فقد ذهبت بعض شركات الأمن إلى عرض خدماتها بأن تستخدم رجالها المسلحين على ظهر البواخر لردع القراصنة، ولكن معظم المعنيين بهذه القضية رأوا أن الاستجابة لهذا العرض ستقود إلى تعريض طواقم السفن لدرجة أعلى من الخطورة فضلاً عن أنها ترفع درجة العنف في حوادث الاختطاف. وبالرغم من تعدد أغطية التأمين وزيادة اتساعها وشمولها، فهي قد تعوض خسائر القرصنة لمالكي السفن مقابل أقساط تأمين متزايدة تفرضها شركات التأمين، ولمثل هذه الأكلاف آثارها السلبية على تكاليف النقل البحري التي ستنعكس بدورها زيادة على أسعار السلع والبضائع. وهذا يفترض أن يكون ثمة مسار مواز يضمن قدراً فعالاً من التعاون بين الدول لمحاربة هذه الظاهرة القديمة بردائها الجديد، وقد حصل مثل هذا التعاون لمحاربة القرصنة في جنوب شرق آسيا وخاصة الدول المشرفة على خليج «malacca» مطلع هذا القرن وأدار هذا التعاون المكتب الدولي لشؤون الحماية البحرية (IBM) الناشط في محاربة القرصنة، ما أدى إلى انخفاض حالات القرصنة في هذا القطاع البحري من 275 حادثة في عام 2000 إلى 17 حادثة فقط في عام 2001 بعد أن ضيقت الدول المتشاطئة حول الخليج المذكور الخناق على نشاط القراصنة.. ما أدى إلى اضمحلال تواجدهم وتحولهم إلى قطاعات بحرية أخرى. وحتى تنجح مثل هذه الجهود في تضافرها وتحقق إحكام الطوق حول أعمال القرصنة والاختطاف، فإنه على المؤمنين وشركات إعادة التأمين والوسطاء العمل الحثيث للوصول إلى تقييم خطر القرصنة بصورته ونتائجه الراهنة للوصول إلى تحديد أسعار تأمين صحيحة وعادلة.. |
|