|
إضاءات من لغة وتاريخ وثقافة ومصالح وإرادة مشتركة، وغيرها من عوامل، والأكثر غرابة من ذلك أن العالم شهد تحولاً عميقاً في مفاهيمه وسياساته وتمحوراته انسجاماً مع الوضع الدولي الراهن بعد انتهاء ما سمي فترة الحرب الباردة، واتجه نحو اصطفافات جديدة تتأسس على حوامل اقتصادية بدل الحوامل الإيديولوجية التي وسمت فترة الحرب الباردة وبدا العرب وكأنهم يعيشون خارج كل تلك التحولات وكما كانوا ساحات صراع ووقود حروب وضحايا صراعات في فترة الحرب الباردة ،يبدو أنهم مازالوا على نفس الوضع وبدائرة الاستهداف ذاتها لأنهم لم يحسنوا قراءة تلك التحولات ويستثمروا إمكاناتهم وجغرافيتهم السياسية وفق معطيات ومفردات الصراع الجديدة بل وسيطرت على الفكر السياسي العربي حالة انكفاء على الذات وخوف لا مبرر له، جعلت الفعالية السياسية العربية شبه مشلولة وتبحث عن رافعة سياسية لها مع غياب شبه كامل لإرادة سياسية عربية على المستوى القومي تستطيع استثمار الفرصة التاريخية التي قد لا تعوض في تمكين العرب من حجز مقعد لهم في المسرح الدولي المتشكل بعد فترة الحرب الباردة ،وعلى الرغم من أن دولاً تتشابه إلى حد ما مع البنية العربية، سياسيا واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وتاريخياً ،استطاعت أن تحقق حضوراً فاعلاً في المشهد الدولي والإقليمي وأقصد بذلك كلاً من تركيا وإيران ،الا أن السمة العامة لأغلب البلدان العربية كانت المراوحة في المكان أو الحركة الدائرية ،إن لم نقل التراجع خلفاً خطوتين والتقدم خطوة واحدة كرقصة التانغو. إن أخطر ما يواجه أي نظام سياسي هو تمركزه حول ذاته وانسداد الأفق لديه وعدم قدرته على تجاوز ماضيه أو ما وضع نفسه فيه وقراءته لما يجري في العالم من تطورات والتقاط الفرص التاريخية، وكذلك عدم قدرته على تجديد مفرداته والتكيف الإيجابي والخلاّق مع ما يدور في العالم من تطورات وتبدل في مراكز القوى والتحالفات القائمة على المصالح وتبادل المنافع والأدوار، بمعنى من المعاني أن السياسة تبدو غالباً وكأنها لعبة ذكاء تحتاج إلى مهارة عالية وقدرة فائقة على التكيف الخلاق مع الواقع القائم من خلال استثماره أفضل استثمار، وذلك باللعب بأكبر عدد من الأوراق وخاصة إذا كانت تلك الأوراق بيد الغير وإلا كيف نفسر ظاهرة الحضور المميز لدول صغيرة في المشهد السياسي الدولي يقابله غياب شبه كامل لدول ذات وزن اقتصادي وبشري وجغرافي على الخارطة السياسية الدولية؟ لقد أدركت القيادة السياسية السورية منذ عهد القائد الخالد حافظ الأسد رياح التغيير التي بدأت تعصف بدول العالم وتكيفت مع مندرجاتها وفق مصالحها وثوابتها وفتحت آفاقاً جديدة مع دول وقوى لها وزنها وتأثيرها في المشهد الدولي الذي بدأت تتضح ملامحه وقواه الناهضة، وتعزز هذا النهج في ظل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد الذي انطلق بما يمكن تسميته سياسة كسر الجليد مع دول لها وزنها وتأثيرها في السياسة الدولية، منطلقاً من قراءة موضوعية وتقدير دقيق لقدرة سورية وتأثيرها عربياً وإقليمياً والحاجة لدورها في حل الكثير من الأزمات التي تعاني منها المنطقة ،فكان تعزيز العلاقات مع دول الجوار الإقليمي ممثلاً بتركيا وإيران وامتد ليشمل ما جرى تسميته دول البحار الأربعة ليؤسس لتحالف إقليمي سيكون له الدور الكبير في الحراك السياسي العالمي الذي بدأت تتشكل إرهاصاته الأولى منذ ما يزيد على عامين أو أكثر بعد فشل وبداية انهيار ما جرى تسميته زوراً النظام الدولي الجديد . ورب سائلٍ يسأل: لماذا تتجه سورية شمالاً وشرقاً ناقلة دائرة التأثير من المركز إلى الأطراف؟ وقد يهيأ للقارئ للوهلة الأولى مشروعية الطرح، والإجابة المنطقية عن مثل هذا التساؤل هو أن سورية نقلت الأطراف الى المركز وجعلت منها قيمة مضافة وعمقاً سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً للعرب، ما يساهم في تعزيز دورهم على الصعيد الدولي وسماع وجهة نظرهم من موقع القوة لا من موقع الضعف وهذا ما لمسناه في المحافل الدولية ولاسيما الدورة الأخيرة للأمم المتحدة خاصة أن الوضع العربي ونظامه السياسي يعيشان حالة انعدام وزن سياسي منذ الغزو الأمريكي البريطاني للعراق الذي أصاب بعض القيادات السياسية العربية بحالة غيبوبة سياسية وعمى ألوان جعلها تعتقد أن أمريكا إذا أرادت شيئاً تقول له كن فيكون . إن المنطق السياسي يؤكد حقيقة إن الحضور العربي في أي ساحة سياسية ولا سيما في دول الجوار هو أمر مزعج للكيان الصهيوني ويساهم في إضعافه ونزع الأوراق الضاغطة على العرب من يديه، وبالعودة إلى الماضي القريب والبعيد يرى الملاحظ السياسي أن اكبر قوتين ضاغطتين في مسار الصراع العربي الصهيوني خارج إطار أمريكا هما إيران الشاه وتركيا ما قبل حكومة أردوغان، وها هما الآن في الخندق الآخر بل وتتحمسان للقضايا العربية أكثرمن بعض الحكومات العربية، ولا شك أن هذا التحول المهم لم يأتِ من فراغ بل كان نتيجة جهد استراتيجي وإرادة سياسية مشتركة من حكومات تلك الدول وسورية. khalaf-almuftah@hotmail.com |
|