تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوبــــامــــا ونــوبل والســــلام

شؤون سياسية
الثلاثاء 20-10-2009م
د. عيسى الشماس

ثمة مفاجأة لم تكن في الحسابات السياسية والدبلوماسية إذ أعلن ومن دون سابق تمهيد أو تحضير عن منح الرئيس الأمريكي /باراك أوباما/ جائزة نوبل للسلام للعام 2009 وجاء في تعليل اللجنة المانحة أن الرئيس أوباما يسعى للتعاون بين الدول والتعامل معها بالطرق الدبلوماسية وليس بالقوة العسكرية

كما أنه يعمل من أجل تخفيض الأسلحة النووية وإحلال الأمن والسلام في العالم.‏

قد تكون هذه التبريرات مقبولة -إلى حد ما- لمنح الجائزة لأنها تدور في إطار السياسة التي يتبناها أوباما أو يحاول أن يتبناها, وكان أعلن عنها منذ حملته الانتخابية الأولى للرئاسة وعمل على التعهد بها بعد ذلك من خلال الإعلان عن إغلاق معتقل /غوانتانامو/ في غضون عام وعن سحب القوات الأمريكية كافة من العراق في منتصف عام 2011 وتحريك عملية السلام في (الشرق الأوسط) بتعيين موفد خاص لهذه المسألة وآخر تعهداته الاتفاق مع روسيا على إزالة الدرع الصاروخي الأمريكي من شرق أوروبا.‏

لا شك أن هذه التعهدات تنم عن حسن نيات أوباما في تغيير السياسة الأمريكية وقد يكون أول رئيس أمريكي ينادي بهذه المبادئ ولا سيما أنها جاءت بعد عهد /جورج بوش الابن/ ذلك العهد المشؤوم الذي أوصل أمريكا إلى حافة الانهيار السياسي والعسكري والاقتصادي ووضع العالم في مستنقع المنازعات والحروب التي لا طائل منها سوى إرواء الترعة الدموية عند /بوش/ وعنجهيته الوهمية في ظل ما سمي النظام العالمي الجديد وزعامة القطب الواحد الذي أثبت فشله بامتياز في التعامل بالقوة وازدواجية المعايير.‏

وقد تكون لدى /أوباما/ بوصفه أول رئيس أمريكي أسود رغبة في تغيير الواقع الأمريكي داخلياً وخارجياً من التعامل بلغة القوة والهيمنة إلى لغة الندية والاحترام المتبادل وهو الذي عاش طفولته كغيره من السود الذين عانوا من القهر والظلم والاضطهاد ويريد أن يزيلها عن الشعوب التي ما زالت تعاني منها بسبب السياسات الاستعمارية الحديثة والنزعة الصهيونية العالمية.‏

تسعة أشهر انقضت بعد تسلّم /باراك أوباما/ سدة الرئاسة الأمريكية في البيت الأبيض كانت حافلة بالتصريحات حول تحسين العلاقات مع الدول بأسلوب الحوار والدبلوماسية وإنهاء حالة العدوان والتعامل بالقوة العسكرية وإعلان التعهدات بالعمل على إحلال السلام في العالم ولا سيما في الشرق الأوسط باعتباره المنطقة الأكثر توتراً في العالم وخصيصاً في فلسطين المحتلة حيث تعهد أوباما في تحقيق السلام.‏

لقد كرر الرئيس باراك أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في افتتاح دورتها الجديدة تعهده بإحلال السلام في الشرق الأوسط واعترف بأن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية غير قانوني وغير شرعي وطالب بانسحاب «إسرائيل» حتى خطوط الخامس من حزيران 1967 ولكنه في الوقت نفسه بدا متشائماً بعد الاجتماع الثلاثي الذي عقده مع رئيس السلطة الفلسطينية وبنيامين نتنياهو رئيس حكومة (الكيان الإسرائيلي) وكأنه يظهر عجزه عن إقناع نتنياهو لتليين موقفه ولو قيد أنملة تجاه وقف الاستيطان أو تجميده ولو لحين حتى إن أوباما بدا متشائماً من عودة مبعوثه السيد جورج ميتشل إلى المنطقة.‏

فالمبعوث الأمريكي جورج ميتشل يخرج محبطاً وخالي الوفاض في كل مرة يزور فلسطين المحتلة بسبب عدم استجابة حكومة الكيان الإسرائيلي لجهود السلام الأمريكية وغير الأمريكية وربما استنتج ميتشل في زيارته الأخيرة في التاسع من الشهر الحالي ولقائه نيتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان أن الأبواب لا تزال موصدة بإحكام في وجه المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين خاصة، وفي وجه عملية السلام برمتها عامة ولا سيما أن الصهيوني المتطرف (ليبرمان) استبق استقبال ميتشل وقبل يومين من تسلم أوباما جائزة نوبل للسلام بتصريح أعلن فيه أن مفاوضات السلام مع الفلسطينيين غير ممكنة الآن وربما لا تكون ممكنة لسنوات عديدة قادمة.‏

إذا كان أوباما منح جائزة نوبل للسلام لقاء خطاباته ونياته عن السياسة الأمريكية الجديدة تجاه العالم فكيف سيكون الحال إذا ما سحب فوراً قواته من العراق وأفغانستان وعمل على إزالة القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في أماكن مختلفة في العالم وألزم «إسرائيل» بالاستجابة الفورية لمطالب السلام العادل والشامل وبتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بحقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه ووطنه ودولته الحرة المستقلة؟ وكيف، وكيف، وكيف..؟‏

لا شك أن أوباما سيكون عندها أول بطل للسلام في العالم ويستحق أن يمنح جائزة نوبل للسلام بالجملة ولمرات عدة.‏

فأي سلام إذاً ذاك الذي يسعى إليه الرئيس باراك أوباما؟ وأين جائزة نوبل من هذا السلام؟.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية