تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أيـــام الاحتلال الســود

شؤون سياسية
الثلاثاء 20-10-2009م
نواف أبو الهيجاء

ليست واقعة (الأربعاء الأسود-التي حدثت في آب الماضي) والتي نتج عنها استشهاد وجرح مئات من أبناء العراق، حدثاً فريداً أو معزولاً، فأيام الاحتلال الأميركي للعراق كلها أيام حافلة بالموت والتدمير

ومتشحة بالسواد ونعني هنا أن دماء أبناء العراق سالت بغزارة منقطعة النظير منذ العشرين من آذار -أي مع بدء الغزو- ما قبل 9 نيسان 2003 وسيلها لم يجف أو يتوقف حتى اللحظة الراهنة.‏

ونحن نشهد ما يجري في ظل الاحتلال كانت قلوبنا تدمى، وأعني قلوب أبناء الأمة من محيط الوطن إلى خليجه، بل إن الجرح العراقي الناتج أساساً عن الاحتلال هو جرح للمسلمين وللإنسانية إلى جانب كونه جرحاً نازفاً ومؤلماً للعراقيين كلهم.‏

أكثر من مليون وربع المليون عراقي كانوا الضحايا الأبرياء للاحتلال، وما نتج عن الاحتلال أكثر من أربعة ملايين يتيم عراقي نتيجة الاحتلال وأكثر من مليون أرملة في العراق نتيجة الاحتلال وأكثر من خمسة ملايين مهجّر (بين الداخل والخارج) في العراق المحتل بسبب الاحتلال..والحبل على الغارب، هل يمكن أن يعلن المسؤولون عن التعليم في العراق -المحتل- عدد الطلبة المتسربين من مدارسهم بسبب الخوف والجوع؟.‏

ما سبب الموت والقتل والتدمير؟ السبب المباشر باتفاق واجماع الآراء هو الاحتلال، وبالطبع كل ما جاء به الاحتلال أو ما نكأه الاحتلال أو ما ومن جاء مع الاحتلال. من ذلك التسيب الأمني الذي جعل العراق ساحة مفتوحة لكل من هب ودب، لكل عدو من أعداء العرب والمسلمين، لمخابرات العدو المحتل في فلسطين وللمخابرات الأميركية وللشركات الأمنية إلى جانب الحملات الرهيبة التي قامت بها قوات الاحتلال ضد مدن العراق (كالفلوجة مثلاً)، يضاف إلى هذا كله انتشار الإرهاب والمليشيات، فالإرهاب جاء متسللاً مع الاحتلال وبسببه، وانتشار المليشيات السائبة، كان بسبب الاحتلال وبتشجيع منه أيضاً.‏

القتل على الاسم والهوية كان سيد المشهد لعدة سنوات سود في العراق، ما قبل نسف قبة الإمامين في سامراء وما بعد العملية المجرمة والمرسومة والتي ظل مقترفوها مجهولين وما عاد أحد يطالب بكشفهم وملاحقتهم..ومع ذلك كان العراقيون أبطالاً في مقارعة الاحتلال والمحتلين وفي إبعاد شبح الحرب الأهلية المدمرة المرسومة والمطلوبة صهيونياً.‏

لا أحد ينكر أن هناك من العرب ومن المسلمين من وجدها سانحة لدعم أشقائه العراقيين ضد الاحتلال ولكن هؤلاء لم يكونوا هم الإرهابيون..والإرهاب لا دين له ولا لون ولا جنسية ولكنه ببساطة يقتل للقتل ويدمر للتدمير، من استهدف ويستهدف العراقيين في الأسواق ومراكز العمل وأماكن العبادة الجوامع والمساجد والكنائس وفي البيوت والشوارع والمدارس هم الإرهابيون..ومن أقدم على اقتراف المجازر الدموية في عموم المحافظات كان إرهابياً ومدرباً على الإرهاب ومأجوراً من المحتلين ومن هم وراء المحتلين.‏

كل يوم في العراق (أسود) وليس ذلك بسبب من العرب أو من الجيران العرب بل إن مسألة الأربعاء الدامي قد أكدت هذا بوضوح. لماذا نسيان المحتلين وجرائم المحتلين والتركيز فقط على الأربعاء الدامي؟ هل دماء المليون وربع المليون عراقي رخيصة ودماء ضحايا الأربعاء الدامي ثمينة؟‏

أليست كلها دماء عراقية طاهرة وبريئة؟ لنتأمل توقيت الضجة ومدلولاتها في الأربعاء الدامي، ألم تأت بعد أقل من ست وتسعين ساعة على إعلان عراقي سوري بالسعي لعلاقة استراتيجية ومجلس أعلى للتنسيق الاستراتيجي بينهما؟‏

ثم لماذا التهديد بإنتاج واستنساخ (اتهامات ومتهمين) التي فشلت تماماً وانكشف باطلها نهائياً؟ ولماذا النأي عن التشبث بضرورة البحث في محاكمة قتلة المليون وربع المليون عراقي؟ ولماذا هذا الإصرار الغريب والمريب على رفض الحوار مع الشقيق والتشبث والتهديد برفع الأمر إلى مجلس الأمن، ونحن نعرف من يمسك بتلابيب القرار في مجلس الأمن، من يقدر أن يبرئ ساحة المجرمين ومن يجرم الأبرياء أو يتجاهل آلامهم ومآسيهم مادام هو الطرف المسؤول أو المحرك للجرائم والمجازر وما دام هو الذي احتل ودمر وأحرق ونسف واغتصب ونهب؟ وعلينا أن نتذكر أيضاً ما هو أهم إن العراق محتل وإن القرار بيد المحتلين الذين لهم في العراق أكثر من مئة وستين ألفاً، وهم لليوم يسرحون ويمرحون في المدن التي قالوا: إنهم انسحبوا منها بموجب اتفاقية كان يفترض عرضها على الاستفتاء الشعبي وانتهى الموعد وتم تناسي أو تجاهل ذلك الوعد.‏

إذا كان ثمة الرغبة في البحث عن المجرمين والقتلة وجرهم إلى المحاكم فيا مرحباً أولئك هم المحتلون وهؤلاء هم الذين جاؤوا مع المحتلين ومن نصبهم المحتلون أيضاً وكل العراقيين يعرفون القتلة ويعرفون من أوغلوا في الدم والجريمة وفي نهب الثروة الوطنية واغتيال أمن المواطنين واخضاعهم لطائلة الموت والخطف والقتل وسوقهم إلى السجون الأكثر ازدهاراً في ظل ديمقراطية المحتلين التي أنتجت كل ما من شأنه تمزيق العراق وتفتيته وإثارة الفتنة بين أبنائه، إضافة إلى جعل العراق على العرب بدل أن يكون معهم في واجب ومهام التصدي للأعداء الصهاينة ومن يواليهم ويدعمهم.‏

لسيت سورية من يستفيد من وضع العراق المحزن وليست أي دولة عربية أخرى هي المستفيدة من هذا الواقع المرير الذي ينيخ تحت وزره العراقيون كلهم، المستفيد هم أعداء العرب والمسلمين, ففتشوا عن الجناة الذين خططوا لغزو العراق واحتلاله وتدميره ونهب ثرواته وإذلال وسرقة سيادة شعبه وإنهاء دوره في الساحات القومية والإقليمية والدولية.‏

nawafabulhaija@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية