تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ماري عجمي/1888 - 1965/ دخل اسمها صندوق الذاكرة.. فرست بالقرب من هدى شعراوي

كتب
الأربعاء 10-7-2013
غصون سليمان

ماري عجمي.. الإنسانة، الأديبة، الصحفية، المناضلة، اسم يضجُّ بمفردات التميز، وفعل كان يشغل مساحة المكان والزمان،

وما إن يذكر اسمها حتى تحضر شخصية المرأة العربية المكافحة المجسدة لكل خصال العنفوان والقوة والانتماء والإحساس بالمسؤولية العليا تجاه الوطن والحياة والولاء لكل ما يجعله عزيزاً قوياً.‏

ماري عجمي المولودة عام 1888 والحاصلة على شهادتي المدرستين الروسية والإيرلندية سنة 1902، عملت في التدريس والتمريض ثم في الصحافة بين مصر وسورية، ومنذ ذلك الوقت كانت تكتب الشعر وتتقن أعمال الترجمة.‏

وفي عام 1910 أنشأت مجلة العروس التي ذاع صيتها واستمرت حتى عام 1914، ثم استأنفت ماري عجمي الإصدار بعد الحرب أي سنة 1918 واستمرت هذه المرة حتى عام 1926، وكانت شهرتها قد ملأت الآفاق الأدبية فقد كانت بمفردها تحمل عبءتحرير المجلة من ناحية الإنشاء والترجمة، عدا عن مساهمتها في مجلات عديدة أخرى في الوطن والمهجر.‏

ماري عجمي صاحبة مجلة العروس 1988 - 1965 وصاحبة عنوان الكتاب الشهري التاسع والأربعين لعام 2012 الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب دار البعث، هي عنوان موضوع هذه السطور من صفحة كتب أيضاً والتي نعرض لها من خلال أقلام نخبة من الأديبات وبذلك نسترجع ونتعرف على مساحة واسعة وصفحات غنية من ذاك التاريخ ومن ذلك الإنتاج.‏

الأديبة كوليت خوري دونت في مقدمة الكتاب عبارات وجمل واضحة وصريحة بينت فيها أن ماري عجمي اسم تلألأ في فترة من تاريخ بلادي ثم غاب وطواه النسيان والإهمال، وتخطاه ضياع الجيل الجديد، فالجيل الجديد يتناسى الماضي، وكيف يفكر في الماضي وهو الذي يضيع حاضره في أوهام المستقبل؟‏

فوق هذا نحن نفتقد في الجيل الماضي إلى مؤرخين كان عليهم أن يسجلوا لنا تاريخ أناس لعبوا الدور الأكبر في نهضة أمتنا، من هذه الأسماء التي يجب أن تسجل وتبقى اسم ماري عجمي.‏

وتتابع الدكتورة الخوري حروفها بالقول: عجبت حين اكتشفت أن الكثيرين من الجيل الجديد لم يسمعوا بهذا الاسم، وانزعجت حين اكتشفت أنني أنا شخصياً لا أعرف إلا القليل عن هذه المرأة التي كان لها الفضل في رفع اسم المرأة السورية عالياً في فترة كانت المرأة فيها في بلادي تئن في الأغلال.‏

وتضيف كان جدي فارس الخوري يقول لي إن ماري امرأة رائعة ونحن نفخر أن يكون عندنا أديبة كبيرة كماري عجمي وحين سألوه عن رأيه في هذه الأديبة وطلبوا إليه أن يقارنها بالأديبة الثانية الكبيرة مي زيادة أجابهم:‏

يا رجال الأريحية سجلوا هذي الشهادة‏

إن ماري العجمي هي مي وزيادة..‏

***‏

أما السيدة الأديبة وداد سكاكيني، فقد كتبت سنة 1944 مقالاً تحت عنوان أديبة الشام تقول فيه: عرفت أديبة الشام وأنا طالبة أتشوق إلى مطالع الأدب النسوي المعاصر، فتمثلت من خلال آثارها روحاً جبارة نفذت إلى دقائق الحياة فتحسستها في حقائقها، وتلمستها من فطنها، وخيل إليّ أن وراء آثار الأديبة عبقرية طلعت قبل الآوان، وفي بلد لم يتعهد مغارس الفكر والبيان.‏

***‏

فيما السيد يوسف عبد الأحد الذي أعد ووثق هذا الكتاب فقد عرض لبعض تفاصيل حياتها الهامة وكيف حظيت بتقدير كبير من البلدان العربية وخاصة لبنان فقد دعا الأديب جرجي نقولا باز نصير المرأة إلى حفل لتكريمها عام 1926 بمناسبة يوبيلها الفضي في حفلي الأدب والصحافة، وقد فازت بجائزتين من الإذاعة البريطانية في المباراة الشعرية عن قصيدتها (أمل الفلاح).‏

وبمناسبة تكريم عجمي بذكرى يوبيلها الفضي في بيروت، كما تقدم آنفاً سنة 1926 نقتطف من حقل كل فكرة بعضاً مما ذكرته الأديبات العربيات، الأميرة نجلا أبي اللمع صاحبة مجلة الفجر تحت عنوان تكريم الينبوع حيث وصفت المناسبة «خمس وعشرون سنة مرت وهذا الدماغ لا يزال يبتكر وتلك المعارف لا تزال تثمر وهذه النفس لا تزال تتألم!.‏

خمس وعشرون سنة مرت بيدت بها أمم وتبدلت بها أخلاق ويبست معها آمال وتصلبت عقول، وذاك القلم العاقل لا يزال يتحرك وهذا المداد السيال لا يزال جارياً لا يجف.‏

فيما الدكتورة أنس بركات باز فقدت وجدت وهي تخاطب العزيزة المحتفى بيوبيلها أن فكر النابغة كالنور يقطع مئتي ألف ميل في الثانية ويرى جلياً، بينما العادي يحتاج أحياناً لنظارة كي يرى أقرب الأشياء إليه، فالنوابغ نادرون وتمنهم لا يقدر بموجودات أو بمال..‏

وتحت عنوان تكريم العروس ومنشئة العروس تذكر السيدة تمام صيداوي بركات الراحلة عجمي بتلك النوادر التي لا يتسع المقام وتحديد الوقت كي نقصها على الجميع فكلها ترمي إلى غاية شريفة في النفس وآداب يمكن لكل امرئ على السواء أن يتخذها دستوراً ويطبقها على حياته الحاضرة، وما تكريم الأديبة ماري عجمي إلا تكريم عاملة كبيرة مؤثرة من عوامل النهضة الاجتماعية في الشرق الأدنى.‏

وتصفها الأديبة ابتهاج قدورة زعيمة الأدب النسائي بقائدة الرقي الفكري ذات المواهب السامية الخالدة والمبادئ القويمة المرشدة والقوى المفكرة المجاهدة، فمن عرفك أنس بك الصديقة المخلصة الوفية والوطنية الحرة الأبية، ومن قرأك لقي في أسلوبك صراحة وبلاغة وهي جمال الأدب الحقيقي والصلة الأدبية التي تربطنا بالآداب الغربية المترجمة بكل دقة وعناية.‏

في حين أكبرت أمينة خوري المقدسي صاحبة مجلة مورد الأحداث المهمة التي تصدت لها ماري عجمي وهي تقوم بتحرير وإدارة مجلة كبيرة في بلاد كبلادنا وحولها جيوش من المصاعب والمشكلات، ومن يطالع أعداد مجلة العروس من يوم نشأتها يرى الجهاد المتواصل والهمة المبذولة في حفط كيان مجلة وهي في حالة نمو وتقدم ورقي.‏

وحمل الكتاب في الجزء الثاني منه عناوين عديدة لما جرى في حفل تأبين الأديبة الكبيرة ماري عجمي على مدرج جامعة دمشق في 25/4/1966 والتي تحدثت فيها كل من السيدة ريمة كرد علي «ماري عجمي وكفاح عمر يفر». والأديبة عفيفة صعب «أغوار من حياة ماري عجمي». والسيدة سعاد نصير «كلمة النادي الأدبي النسائي».‏

حيث قدرت الكلمات جهاد الفقيدة في ميادين الصحافة والأدب والشعر والنثر والخدمات الاجتماعية العديدة حيث أسست سنة 1920 النادي الأدبي النسائي وهو أول ناد تأسس في البلاد العربية.‏

كان لماري عجمي أهداف سامية منها رعاية الفتيات اللواتي أعطين موهبة الذكاء وحرمن من تحقيق أحلامهن في الدراسة لأسباب مادية فكان النادي تحت إشراف الراحلة التي قدمت الكثير في سبيل تعليم كل من يستحق وحرم من أداء ومتابعة طموحه وأحلامه ومستقبله.‏

أخيراً:‏

ماري عجمي دخل اسمها في صندوق الذاكرة كما تصفها الأديبة غادة شريم، فرست بالقرب من هدى شعراوي وجوليا طعمة دمشقية شبهت بـ مي زيادة وكرمت لنضالها في حقلي الأدب والصحافة، فازت بجوائز لبراعتها في كتابة الشعر، في مواقفها الكثير من الشجاعة والجرأة والوطنية، كافحت الجهل في عصر الجهل وحملت مشعل النور في عهد الظلام وثارت على الظلم، ناضلت من أجل المبادئ وبثت الشعور القومي، وأذكت روح الثورة في كل مكان، واستطاعت كلماتها الوصول للحكام حتى كادت النار أن تحرقها كيف لا... وقد أمكنها ذات يوم أن تقابل السفاح التركي جمال باشا وتناقشة في عدد من الأمور، وخرجت من مقابلته لتكتب مقالاً في وصفه ووصف أعماله وكادت النقاط في هذا المقال أن تسقط فوق الحروف وأن تدل على الطاغية الحاكم بنفسه، وكادت الكاتبة الجريئة أن تدفع حياتها ثمن هذه الجرأة.‏

والواقع أن ماري كانت كما وصفها أيليا أبو ماضي بقوله بنت سورية التي أبكي لها همة الليث وروح الحمل.‏

وحين أطل صباح السادس من أيام عام 1916 ورأت ماري مشانق الأحرار معلقة في دمشق وبيروت.. انفجرت تبكي وتخاطب الشهداء قائلة:‏

أما تبرحون غارقين في رقادكم أيها النائمون؟‏

أما تعبت أجنابكم وملت من اللصوص بالرمال؟‏

قوموا فقد نمتم طويلا.. إن نفحات الربيع مالئة الفضاء، والأطيار تتسابق على الأفنان والجداول تناديكم، أن هيا عودوا إلينا».‏

ماري عجمي شجرة عائلتها تفرعت من مدينة حماة ومسقط رأسها العاصمة دمشق ومثواها مقبرة الروم الأرثوذكس وسط حي دمشقي، بين ولادتها 1888 ووفاتها سنة 1965 مسيرة أدب وميدان صحافة وحكاية حب تتألق نضالياً على دروب هدى شعراوي وتتقشف معيشياً على نهج المهاتما غاندي إبان حقبتي الاستعمار التركي والانتداب الفرنسي، على مقاعد المدرسة الروسية تلقت تعليمها الابتدائي واختتمته بالمعهد الإيرلندي البروتستنتي، تلك الإرساليات التبشيرية لاعجب بانتشارها إذ شهدت بلاد الشام منها أصنافاً وقتئذ.‏

وحين التحقت بكلية التمريض الأميركية في بيروت أدركت أنها أخطأت الهدف وعادت مسرعة إلى مهنة التدريس تتنقل معلمة منتدبة بين لبنان والعراق وفلسطين والاسكندرية تجمع المال وديعة لغذاء الروح، وهاجسها في تأسيس مجلة مستقلة، أمنية لم تفارقها وذخيرتها مقالات لم تنقطع على صحفات الجرائد بالاسم المستعار (ليلى).‏

فصول الكتاب:‏

يقع الكتاب في 128 صفحة من القطع المتوسط ويتضمن مجموعة من العناوين المهمة المتعلقة بمسيرة عمل هذه الأديبة والتي عبرت وكشفت مجموعة من الأديبات السوريات والعربيات عن نقاط وجوانب حياة لم نكن نعرفها بالشكل المطلوب.‏

الكتاب هو من إعداد وتوثيق يوسف عبد الأحد والمقدمة للأديبة كوليت خوري والتدقيق والمراجعة للسيد عيسى فتوح.‏

ماري عجمي صاحبة مجلة العروس 1888 - 1965‏

فأقلام نخبة من الأديبات، هو الكتاب الشهري التاسع والأربعون من إصدار الهيئة العامة للكتاب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية