تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ما يحتاجه العرب... رأس المال وليس الديمقراطية!!

عن ديلي تلغراف
ترجمة
الأربعاء 10-7-2013
ترجمة: ليندا سكوتي

إن الأحداث التي نشهدها اليوم في مصر تحاكي في مضمونها ومجرياتها ما حصل في الربيع العربي حيث رُكلت صناديق الاقتراع ومُزق الدستور وسمى الجيش رئيساً مؤقتا وانتابت الجماهير المحتشدة في ساحة التحرير فرحة غامرة.

وأبرقت المملكة العربية السعودية مهنأة جنرالات القاهرة. وإزاء ذلك فليطمئن الحكام المستبدون في كل مكان لأن التجربة الوجيزة التي أخذت مسارها نحو التطبيق الديمقراطي في مصر قد انتهت بفشل ذريع.‏

يشجب القادة الغربيون أي انقلاب عسكري، لكن وليام هيغ وقف عاجزا عن إيجاد الكلمات المناسبة لوصف الوضع في مصر لذلك اكتفى بالقول “أنه من خلال التجربة فإن بريطانيا تفضل أن يقوم في مصر حكماً مدنيا”، وعند سؤاله إن كان يشجب الانقلاب الحاصل في القاهرة تجاوز الإجابة. إن عبارات التفاؤل الثوري التي سادت حسابات التويتر في شتى أرجاء العالم العربي قد انتهت إلى يأس وإحباط حيث كتب أحمد الحسيني وهو أحد الدعاة في البحرين:”تعلمت من أحداث مصر بأن الديمقراطية ليست في واقعها سوى كذبة، وأن رئيس منتخب ليس سوى خرافة” وأضاف “ليس هناك من برلمان ولا انتخابات ولا صناديق اقتراع كلها مجرد أكاذيب”.‏

لقد عبر في كلماته عما يجري من أحداث في المنطقة لا سيما الانتخابات التي جرت في مصر التي تشابه الاستفتاء في إيرلندا إذ بإمكان كل مقترع الإدلاء بصوته كما يرغب لكن إن لم ترق النتائج للجيش سيطلب من الناخبين الاقتراع لمرة أخرى. وفي الوقت الذي أخذ به الغرب يحتفل بانضمام مصر إلى مجتمع الدول الديمقراطية بدأت (مصر) تشهد حالة من التدهور الاقتصادي المتمثل بنقص هائل في الوقود والغذاء والأمن فضلا عن العنف الطائفي والمعاناة نتيجة تزايد الأعمال الإجرامية التي بلغت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في السابق الأمر الذي جعل الأوضاع في هذا البلد توشك على الانهيار وحدت بالشعب إلى الترحيب بالاجراءات التي اتخذها الجنرالات.‏

لقد بدأ الربيع العربي بطلب وحيد ألا وهو الحرية ولم يطرح البتة أمر الديمقراطية علما بأن الفرق بينهما شاسع جدا وعلى سبيل المثال نلاحظ بأن محمد بو عزيزي الذي بدأ هذه السلسلة من الأحداث عندما بادر إلى إحراق نفسه حياً في سوق تونسي قبل سنتين لم يكن له أي توجه سياسي وفقا لما ذكرته عائلته، بل أن ما كان يطمح إليه هو الحرية في ممارسة حقه في البيع والشراء والقيام بعمله دون أن يكون مضطرا إلى دفع الرشاوى لرجال الشرطة أو الخوف من مصادرة بضاعته عشوائيا وبذلك فإن اعتبر شهيدا فهو شهيد السعي للحصول على رزقه.‏

هذا ما ذكره هيرناندو دو سوتو وهو اقتصادي بيروفي سافر إلى مصر للتحري عن دوافع وأسباب الربيع العربي حيث وجد فريق بحثه بأن البوعزيزي كان الملهم لـ 60 شخصاً للتضحية بأنفسهم وكان من بينهم 5 مصريين تجاهلتهم وسائل الإعلام ولم تأت على ذكرهم، وقد قام دو سوتو بمتابعة واقع أولئك الذين نجوا من محاولات الانتحار والالتقاء بالعائلات الثكلى حيث وجد تشابها في قصة كل منهم إذ أن التفكير بالإقدام على الانتحار كان يمثل لديهم احتجاجاً من أجل حرية تأمين المعيشة المناسبة.‏

لقد أقدم البوعزيزي على قتل نفسه إثر مصادرة الشرطة لما كان بحوزته من فواكه وميزانين مستعملين حيث لم يكن سوى تاجر صغير يسعى لكسب المال لتحقيق أحلامه بشراء سيارة وتطوير تجارته. وظاهريا يبدو أن فقدانه للفاكهة والميزانين اللذين لا يتجاوز إجمالي قيمتهما 100 جنيه استرليني هو الدافع الرئيسي للانتحار. لكن السبب الحقيقي وراء الانتحار هو الثقة التامة بأن الشرطة ستحول دون ممارسته لعمله مرة أخرى مما يفقده مصدر عيشه، وقد ذكرت عائلته بأن ما أقدم عليه كان نتيجة لاعتقاده بأن رزقه سيقطع وسيموت جوعا لذلك عمد إلى التضحية بنفسه من أجل الفقراء الآخرين لعله يتاح لهم ممارسة أعمال البيع والشراء بحرية وتأمين سبل العيش الكريم.‏

بالنسبة لمعظم الدول النامية، فإن الجميع محميون بحكم القانون من الناحية النظرية، لكن من الناحية العملية فإن الحصول على ترخيص قانوني أمر في غاية الصعوبة حيث يتطلب دفع رشاوى علاوة عن بيروقراطية لا يتسنى تجاوزها إلا لقلة قليلة وهذا يعطينا تفسيراً عما نلاحظه من فقر مدقع في الكثير من تلك الدول.‏

مثال آخر، فدوى العروي وهي أم مغربية، تم تصوير انتحارها. وقد أوضحت الأسباب التي دعتها إلى ذلك قبل أن تحرق نفسها حيث قالت “سأضحي بنفسي” واستطردت”سأفعل ذلك احتجاجا على الازدراء والاقصاء الاقتصادي لصغار الكسبة” كما روى لنا بعض الناجين وأقارب المتوفين قصصاً مشابهة لقصة البوعزيزي الذي أوضح شقيقه إلى دو سوتو “أن اشخاصا مثل محمد يشعرون بالقلق إزاء تجارتهم، دون أن يكون لهم أي صلة بالسياسة”.‏

من الناحية النظرية فإن القانون ينطبق سواسية على الجميع لكن في ظل نظام حسني مبارك على سبيل المثال فإن فتح مخبز صغير في القاهرة يتطلب أكثر من 500 يوم بسبب البيروقراطية. وفتح مشروع تجاري في مصر يعني التعامل مع 29 مؤسسة حكومية. والقصة نفسها قائمة في شتى بلدان المنطقة: إذ إن الوثائق المطلوب تقديمها تتجاوز أربعة عشرة وثيقة فضلا عن الانتظار الطويل الذي قد يمتد لأكثر من عامين كل ذلك كي تصبح مالكا بشكل قانوني لمتجر أو الترخيص لعمل تجاري أما إن لم يكن لديك الوقت أو المال فإن ممارستك لهذا العمل في السوق السوداء ستجعل أصابع الاتهام توجه إليك، تلك السوق التي مهما حققت لك من مزايا فإنها لن تمكنك من تجاوز الفقر، لذلك نلاحظ بأن بعضا من الشبان العرب قد أصابهم اليأس والغضب جراء ما خضعوا له من روتين جعلهم بحالة نفسية حدت بهم إلى حرق أنفسهم أحياء.‏

قال وليام هيغ إن المصريين يريدون الحرية للتعبير عن أرائهم باختيار حكوماتهم فالاستقرار برأيه ياتي من “المؤسسات الديموقراطية” وليست ثمة أدلة تشير إلى أن الديموقراطية في مصر قد حققت الاستقرار لهذا البلد بل أصبح يمثل نموذجا سيئا للديمقراطيات الوليدة لا سيما وقد تبين بأنه في الاحوال التي تتعقد بها الامور فبأمكان الجيش إبعاد الحكومة القائمة والبدء بتشكيل حكومة جديدة. وفي الواقع فإننا سنجد من يخلف محمد مرسي برئاسة مصر سيعمل وفقا لما يمليه عليه قادة القوات المسلحة.‏

أخبر دو سوتو الكونغرس الأميركي بان الغرب قد أخطا في قراءة الربيع العربي واضاع فرصة كبيرة ذلك لأن البوعزيزي و5 مصريين أقدموا على الانتحار على غراره قد وصل صوتهم إلى 380 مليون عربي يفتقدون إلى الحقوق الأساسية والحماية القانونية وقد كان من المجدي لبريطانيا والولايات المتحدة السعي إلى توفير الحقوق الأساسية مع تقديم مساعدات خارجية الأمر الذي يحقق لهما أفضل استراتيجية لمعالجة الفقر فضلا عما يحققه ذلك من جذب لملايين الأصدقاء الجدد من العالم العربي.‏

إنها ليست بالفكرة الجديدة، حيث سبق لمارغريت تاتشر أن قالت: «إن تحقيق الحرية يعتمد على قوة المؤسسات المتمثلة: بالقانون، النظام، الصحافة الحرة، الشرطة، والجيش الذي يخضع لتوجيهات الحكومة ولا يمارس القمع تجاه الآخرين». وقد ثبت صواب ما ذكرته في كل من افغانستان والعراق والآن في مصر. ربما يكون الوجه الديمقراطي مخادعا لكن من يحدد نهوض الأمم أو انحدارها هو قوة مؤسساتها.‏

 بقلم: فريزر نيلسون‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية