تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دموع تماسيح نابولي

ثقافة
الأربعاء 10-7-2013
ترجمة: مها محفوض محمد

رغم أن نابولي هي العاصمة الثقافية السابقة لشبه الجزيرة الايطالية الا أن أدباءها عانوا كثيرا من الاهمال.

اليوم يأتي موريزيو دوجيوفاني فيعيد آداب تلك المنطقة الى مكانتها المرموقة في عالم الثقافة الايطالية وينطق بمفرداتها ومناخاتها الاجتماعية والفكرية والسياسية في أحدث أعماله رواية «دموع التماسيح» الصادرة في أيار 2013 بالايطالية وتمت ترجمتها الى الفرنسية والانكليزية.‏

وجيوفاني من مواليد نابولي عام 1958 يقيم منذ طفولته في مسقط رأسه حيث يتابع حراك عاصمة الفكر والفنون ويسجل ملاحظاته وانطباعاته وخلفية أحداث تهز نابولي بين حين وآخر مما يتعلق بعالم الجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة، وكان هذا الروائي قد فاز عام 2005 بمسابقة ادبية على مستوى الرواية الأوروبية دفعته للتخلي عن مهنته كمدير لأحد المصارف والتفرغ الى الأدب واستطاع ديوجيوفاني خلال مسيرته الأدبية أن ينجح بما أخفق به قضاة طليان على صعيد كشف مافيا نابولي المرتبطة بنظيرتها الصقلية وتدور أحداث «دموع التماسيح» في نابولي المطلة على خليج يحمل اسمها وعلى بركان فيزيف الجاثم فوق صدرها منذ أن غمرت غازاته وحجارته الحارقة مدينتي بومبي وهير عام 79 ق.م‏

تبدو نابولي لأول وهلة أما عيون زوارها حزينة على ماضيها الغابر لدرجة أنها تزرع الشك في قلوب هؤلاء الضيوف الأجانب كما يقول بطل الرواية المفتش غيبسي لوجاكونو (45 عاما) حيث يواجه لوجاكونو سلسلة من الجرائم تفاجئ سكان المدينة بوحشيتها وتعجز الشرطة عن فك طلاسمها والوصول الى مرتكبها اذ إنه خلال عشرة أيام تستيقظ نابولي على أخبار تصفية ثلاثة شبان لا تربط بينهم أي علاقة صداقة أو قربى مع غياب أي أثر يدل على الفاعل رغم تردد اشاعات تفيد بأن المافيا الصقلية في المنطقة تقف وراء هذا العمل المروع الا أنه مامن شاهد يؤكد ذلك فكل ما عثرت عليه الشرطة هو مسدس يوحي بأن المتهم ليس محترفا، وهناك خيط رفيع عبارة عن محارم ورقية ممهورة بسائل مسيل للدموع فتلتقط وسائل الاعلام المحلية هذا الدليل وتبدأ بنسج القصص حوله أي أن المحارم الورقية تتحول الى حاملة لدموع التمساح النابوليتاني تركها المجرم قبل أن يعمد لتقطيع أوصال ضحاياه الثلاث اضافة الى جريمته وتخيم على المدينة رائحة الألم والعذاب كما يؤكد بطل الرواية التي استقطبت اهتمام النقاد.‏

لقد بقيت نابولي وآدابها مغمورة حتى مطلع هذا القرن حين انصرف دوجيوفاني لتعرية مراكز القوى ذات الباع الطويل على الصعد التجارية والدبلوماسية منذ أيام طريق الحرير في تلك العاصمة الثقافية وينتمي هذا الروائي للطبقة البرجوازية الايطالية حيث يقيم على مقربة من مسرح سان كارلو ومقهى غامبريونوس الصرح الحضاري المعروف في المدينة على تخوم الشارع التجاري الضخم فيادميي حيث تجري حبكة الرواية.‏

ويتنازع المنطقة تياران: تيار يعشق احياء ماضي نابولي وآخر غارق في أعمال المافيا وتجارتها القذرة ونواديها المنتشرة في أنحاء البلاد وتجارة الأسلحة عبر خليج المدينة كما تنازعت قلب المفتش غيسبي المشاعر المتضاربة في عشقه للقاضية التي ترافقه في تحقيقاته وشغفه بصاحبة مقهى يتناول عندها طعام الغذاء علما أنه شديد القلق على ابنته الوحيدة التي تعيش في صقليا مع زوجته السابقة ويتهم لوجوكانو بأنه يسرب معلومات للمافيا وهنا يكتشف القارئ أن هذا المفتش يعاني من أزمة نفسية أسوة بالمجرم الذي يطارده فتمزق التراجيديا عواطف المحقق وتدفعه لاتخاذ قرارات قد تخدم القاتل في بعض الأحيان.‏

ويعلق جيوفاني على معاناة نابولي وجرحها النازف (الكامورا) أي المافيا الصقلية بقوله: لقد استطاعت المدينة باستمرار الباس آلامها ثوبا ثقافيا تستطيع من خلاله الخروج من شرنقة الموت والقتل والجريمة وبذلك كان الألم يحرك الحدود الفاصلة بين الخير والشر فيها.‏

أيضا في روايته التي ستصدر العام القادم يعالج دوجيوفاني هذا الصراع الدائم بين اللامعقول وبين الحكمة والتبصر في عواقب الأمور.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية