تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الشاعر قيثارة اللغة وخلودها كيف يجددها..؟!

ثقافة
الأربعاء 10-7-2013
يمن سليمان عباس

هو السؤال القديم الجديد مامستقبل اللغة العربية وما عسى أن يكون تأثير الآخر عليها وكيف نحافظ على رونقها وصفائها ونعطيها دفعاً جديداً

بمعنى هذه الأسئلة طرحت مجلة الهلال المصرية عام 1923 استفتاء توجهت به إلى أقطاب اللغة العربية أنئذ من أبنائها والمستشرقين أيضاً واليوم نعود إلى طرح السؤال من جديد: كيف نحافظ على لغتنا ونصونها ونحميها؟‏

السؤال نفسه والاجابات على مايبدو هي ذاتها لأن متغيرات الحضارة متسارعة كما كانت أنئذ طوفانها يتناسب مع مرحلتها التاريخية.‏

بالعودة إلى ماأجاب به الذين شملهم الاستفتاء نجد أن المستشرقين قد بشروا بما ستصل إليه لاسيما في سورية ومصر كما قال المستشرق الأميركي رتشارد كوتهيل ورأى أن الدرس المفيد لإحياء اللغة العربية هو درس الآباء والأجداد ورأى ذلك أيضاً الأب لامنس ومعه المستشرق وليم ورل الذي تحدث عن مرونة اللغة العربية وقرر أن الطريقة الفضلى لحفظ اللغة العربية وإحيائها هي الاعتراف بالقاعدة التاريخية الثابتة التي مؤداها أن مرجع اللغة الحقيقي على مرور الزمن هو كلام العامة مع شيء من التنقية والتطهير.‏

أما خليل مطران فيرى أن الأمر يجب أن يكون عن طريق مدارس التعليم ووضع معاجم تعنى باللغة.‏

أما محمد كردعلي فذهب المذهب نفسه وأضاف إلى ذلك إصدار الصحف والمجلات ولكن الرأي الذي نجده مناسباً لكل زمان ومكان هو رأي الشاعر الكبير جبران خليل جبران الذي يرى أن إحياء اللغة لايكون إلا عبر الشاعر يقول جبران: إن خير الوسائل بل الوسيلة الوحيدة لإحياء اللغة هي في قلب الشاعر وعلى شفتيه وبين أصابعه فالشاعر هو الوسيط بين قوة الابتكار والبشر وهو السلك الذي ينقل مايحدثه عالم النفس إلى عالم البحث ومايقرره عالم الفكر إلى عالم الحفظ والتدوين.‏

الشاعر أبو اللغة وأمها تسير حيثما يسير وتربض أينما يربض وإذا ماقضى جلست على قبره باكية منتحبة حتى يمر بها شاعر آخر ويأخذ بيدها.‏

وإذا كان الشاعر أبو اللغة وأمها فالمقلد ناسج كفنها وحفار قبرها.‏

أعني بالشاعر كل مخترع كبيراً كان أوصغيراً وكل مكتشف قوياً كان أو ضعيفاً وكل مختلق عظيما كان أو حقيراً وكل محب للحياة إماماً كان أو صعلوكاً وكل من يقف متهيباً أمام الأيام والليالي فيلسوفا كان أوناطورا للكروم أما المقلد فهو الذي لايكتشف شيئاً ولايختلق أمراً بل يستمد حياته النفسية من معاصريه ويصنع أثوابه المعنوية من رقع يجزها من أثواب من تقدمه.‏

أعني بالشاعر ذلك الزارع الذي يفلح حقله بمحراث يختلف ولو قليلاً عن المحراث الذي ورثه عن أبيه فيجيء بعدها من يدعو المحراث الجديد باسم جديد وذلك البستاني الذي يستنبت بين الزهرة الصفراء والزهرة الحمراء ثالثة برتقالية اللون فيأتي بعده من يدعو الزهرة الجديدة باسم جديد وذلك الحائل الذي ينسج على نوله نسيجاً ذا رسوم وخطوط تختلف عن الأقمشة التي يصنعها جيرانه الحائكون فيقوم بعده من يدعو نسيجه هذا باسم جديد.‏

أعني بالشاعر الملاح الذي يرفع لسفينة ذات شراعين شراعاً ثالثا والبناء الذي يبني بيتا ذا بابين ونافذتين بين البيوت كلها ذات باب واحد ونافذة واحدة والصباغ الذي يمزج الألوان التي لم يمزجها أحد قبله فيستخرج لوناً جديداً فيأتي بعده الملاح والبناء والصباغ من يدعو ثمار أعمالهم بأسماء جديدة فيضيف بذلك شراعاً إلى سفينة اللغة ونافذة إلى بيت اللغة ولوناً إلى ثوب اللغة.‏

أما المقلد فهو ذاك الذي يسير من مكان إلى مكان على الطريق التي سارت عليها ألف قافلة وقافلة ولايحيد عنها مخافة أن يتيه ويضيع ذلك الذي يتبع بمعيشته وكسب رزقه ومأكله ومشربه وملبسه تلك السبل المطروقة التي مشى عليها ألف جيل وجيل فتظل حياته كرجع الصدى ويبقى كيانه كظل ضئيل لحقيقة قصية لايعرف عنها شيئاً ولايريد أن يعرف.‏

أعني بالشاعر ذلك المتعبد الذي يدخل هيكل نفسه فيجثو باكياً فرحاً نادباً مهللاً مصغياً مناجياً ثم يخرج وبين شفتيه ولسانه أسماء وأفعال وحروف واشتقاقات جديدة لأشكال عبادته التي تتجدد في كل يوم وأنواع انجذابه التي تتغير في كل ليلة فيضيف بعمله هذا وتراً فضياً إلى قيثارة اللغة وعوداً طيباً إلى موقدها.‏

أما المقلد فهو الذي يردد صلاة المصلين وابتهال المبتهلين بدون إرادة ولاعاطفة فيترك اللغة حيث يجدها والبيان الشخصي حيث لابيان ولا شخصية.‏

أعني بالشاعر ذلك الذي إن أحب امرأة انفردت روحه وتنحت عن سبل البشر لتلبس أحلامها أجساداً من بهجة النهار وهول الليل وولولة العواصف وسكينة الأدوية ثم عادت لتضفر من اختباراتها اكليلاً لرأس اللغة وتصوغ من اقتناعها قلادة لعنق اللغة.‏

أما المقلد فمقلد حتى في حبه وغزله وتشبيبه فإن ذكر وجه حبيبته وعنقها قال «بدر وغزال».‏

أقول ثانية أن حياة اللغة وتوحيدها وتعميمها وكل ماله علاقة بها قد كان وسيكون رهن خيال الشاعر فهل عندنا شعراء.‏

نعم عندنا شعراء وكل شرقي يستطيع أن يكون شاعراً في حقله وفي بستانه وأمام نوله وفي معبده وفوق منبره وبجانب مكتبه.‏

كل شرقي يستطيع أن يعتق نفسه من سجن التقليد والتقاليد ويخرج إلى نور الشمس فيسير في موكب الحياة كل شرقي يستطيع أن يستسلم إلى قوة الابتكار المختبئة في روحه تلك القوة الأزلية الأبدية التي تقيم من الحجارة أبناء لله.‏

Yomn.abbas@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية