|
معاً على الطريق منذ تم الاعلان عن ولادة «الجماعة» دخلت الأمة العربية في صراعين تحالفت مكوناتهما معظم الوقت ضد الخط القومي العربي، الأول كان مع الاسلام السياسي ومكونه الأساسي «الإخوان»، والثاني كان مع الغرب المتصهين الذي حاول مرارا اللعب على فهم التنظيمات الاسلامية الخاطىء للاسلام واستثماره، تماما كما حاول الغرب الضرب على وتر الخلاف والاختلاف الذي ولده هذا الفهم الذي اتضح مع نشأة «الإخوان». وطيلة ثمانين عاما مضت استمر «الإخوان» في محاولتهم شد العرب والمسلمين الى الخلف من خلال ادعائهم وزعمهم التحدث باسم الله، بينما كان يتم تفريخ تنظيمات اسلامية أخرى أكثر تطرفا وتعطيلا للعقل نشأت معها بدعة تكفير الآخر ووجوب اخراجه من الدين بفتاوى أجازت القتل والذبح؛ ولم تكتف بالغاء واقصاء الآخر. ربما تعود فتاوى القتل والذبح الى مقولة البنا بأن «الاسلام مصحف وسيف»، ذلك أنه من خلال الفهم المعوج والتفسير الخاطئ للقرآن الكريم وصل «الإخوان» الى السيف وثقافة قطع الأعناق وممارستها، وبالتالي أتاحوا للعالم فرصة الصاق تهمة الارهاب بالاسلام، ليأتي السلفيون والوهابيون والقاعديون والطالبانيون كمحدثين ومجددين تفوقوا على أصلهم الإخواني لجهة اشاعة ثقافة التكفير والذبح والقتل والتقطيع. ومع انتشار هذه الثقافة في عدد كبير من الدول العربية والاسلامية بعد أن رعت أنظمة النفاق الخليجي الرجعية الفاسقة هذه التنظيمات؛ لم يكن من السهل القيام بفعل تطهير الاسلام من التكفيريين، كما لم يكن من السهل فضح «تنظيمات الاسلام السياسي» بعد أن فشلت التيارات العربية العلمانية في صياغة معادلة تحفظ للاسلام مكانته كعقيدة؛ وللقومية العربية قيمها ودورها في صون كرامة العرب كأمة. وقد يكون لفشل المشروع القومي العربي ابان سقوط الدولة العثمانية التي أشاعت الجهل في الأمة كبير الأثر بانتشار الفكر الاسلامي المشوه الذي قدمته حركة الإخوان وأخواتها ومشتقاتها التي تفرض في هذه الأثناء أخطارا جسيمة على مستقبل الأمة والقضية الفلسطينية، وعلى مستقبل العلاقة مع الشرق والغرب ومختلف الثقافات والحضارات الانسانية الأخرى. صحيح أن ترنح حكم «الإخوان» في تركيا؛ وسقوطه في مصر خلال فترة زمنية قياسية عرى «الجماعة» ومجلسها العالمي مرة واحدة؛ وأظهر نفاقها على كل الجبهات، غير أن الصحيح أيضا أن اجتثاث فكرها المشوه لن يكون عملا بسيطا، ذلك أن التشبيك الذي أقامته هذه الحركات والتنظيمات مع الغرب المتصهين - وأميركا في مقدمته - هو على درجة كبيرة من التعقيد تجعل من المهمة مهمة شاقة للغاية؛ فضلا عن أنها ستحتاج زمنا طويلا لانجازها. نجح «الإخوان» في فعل التشويه؛ وفي الارتهان للغرب؛ وفي اثبات عجزهم بالحكم رغم الدعم الذي وفره لهم الغرب والذي توفره لهم أنظمة الطغيان والاستبداد الخليجية المرتمية في أحضان الصهيونية العالمية، لكن ذلك وحده لا يشكل ضمانة لنجاح المشروع الآخر المقاوم لكل أشكال وأنماط التشويه، وبمقادير مماثلة في مقاومة الغرب والصهيونية العالمية، ما لم يجر استئصال الفصائل والتنظيمات التكفيرية من مجتمعاتنا، وما لم تتم تعرية فكرها التشويهي انطلاقا من اسقاط مقولة البنا « الاسلام مصحف وسيف». |
|