|
شؤون سياسية على مر العصور فمراحل الاستعمار الذي تعرضت له بلاد العرب وإفريقيا على حد سواء في ظروفها أو مسبباتها التي هي أقرب إلى التشابه. ورؤية المستعمرين بالقديم والحديث إليهما هي أيضاً تنطلق من سلة واحدة, السيطرة على الثروات والمقدرات وجعل الدول العربية والإفريقية سوقاً تابعة لهما ومرتعاً خصباً لمشاريعهما. وعلى هذا يمكننا أن نلاحظ الاهتمام الملحوظ في الآونة الأخيرة بالقارة الإفريقية والتنافس القائم عليها سواء بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والصين حيث الجميع يسعى إلى تعزيز مواقعه في أنحاء هذه القارة الواعدة بثرواتها الكامنة والرابضة في غاباتها أحياناً وأعماق صحاريها أحياناً أخرى رغم أنها القارة المقهورة التي تحالف عليها الفقر والصراعات القبلية الدامية والخلافات الحدودية والأمراض الفتاكة ولا سيما مرض الايدز الذي تكاد قارة إفريقيا هي الموطن الوحيد له في هذا العالم. ولعل العرب من مجمل ما عليهم من أوزار بحق أنفسهم أولاً وبحق قارة إفريقيا ثانياً هو عدم حفاظهم على ما يربط الجانبين من روابط ومصالح شتى بعد أن أهملوا تنمية علاقاتهم مع دول هذه القارة السمراء رغم أن تسع دول عربية بما تمثله من ثقل سياسي واقتصادي وفكري هي في شمال هذه القارة ورغم ذلك أهمل العرب استثمار ما يجمعهم مع الشعوب الإفريقية من علاقات وروابط دينية واقتصادية وسياسية ولم يتعاملوا معها كما يجب سواء في الماضي أم في الحاضر. ذلك لأن هذه القارة دون أدنى شك تشكل عمقاً استراتيجياً ومنفذاً أمنياً للأمن الغذائي العربي وغيره. وهي من حيث موقعها الجغرافي تمثل التخوم المترامية المحيطة بالعرب في شمال وجنوب القارة لأن ثلثي العرب يعيشون فيها, وإذا كانت بعض الثغرات التي يحاول الغرب بشكل عام واسرائيل استغلالها عند الأفارقة ضد العرب والتي تعاقبت على مدار عقود مضت فإن ذلك من مسؤولية الطرف العربي في التصدي لها ومعالجتها على النحو الذي يعزز العلاقات العربية الإفريقية. إن الأمن القومي العربي بشكل عام مرتبط ارتباطاً عضوياً بالأمن القومي الإفريقي لأن كليهما عمق للآخر وكم كانت هناك دعوات لدول جنوب إفريقيا لإنشاء منظمة خاصة بهم دون اشراك الدول العربية في إفريقيا معهم بتشجيع وتحريض من الغرب لرأب الصدع في العلاقات العربية الإفريقية وليس ما عكسته أزمة دارفور في السودان وخروجها عن النطاق العربي أو الإفريقي إلا تأكيداً على حساسية وأهمية التواصل العربي الإفريقي. ولعل الاحتشاء الدولي وراء هذه القضية هو تأكيد على عمق الاهتمام الغربي والاسرائيلي عموماً لتفتيت وحدة السودان من جهة وتفتيت عوامل قوته وبالتالي ضرب المزيد من الأسافين في جسم العلاقات العربية الإفريقية ,من جهة أخرى ترجمة لشعار الاستعمار الغربي والصهيوني (فرق تسد). لقد نجحت اسرائيل في التسلل إلى إفريقيا وحصولها على مواقع قدم لها وبناء مصالح على حساب الوجود العربي والمصالح العربية وخاصة بعد حرب تشرين التحريرية عام 1973 وازداد هذا الوجود الاسرائيلي مع تدفق الخطط الغربية الخبيثة. كما أنه لا يمكننا أن نغفل ما فعلته وتفعله البعثات التبشيرية على امتداد العقود الماضية في عدد من المجتمعات الإفريقية بدءاً من جنوب السودان مروراً بشرق القارة وغربها وصولاً إلى جنوب الصحراء الإفريقية حيث لعبت تلك البعثات التبشيرية وبرامجها القائمة تحت ستار الإغاثة الإنسانية دوراً كبيراً جداً في اذكاء هوة الخلافات بين كل ما هو مسلم وأوروبي من جانب وبين كل ما هو عربي ومسلم من جانب وكل إفريقي ضلل على أيدي تلك البعثات على أمل تغيير ديانته طلباً لحياة أفضل تقدمها هبات الجمعيات الأهلية العاملة في حقل الدعوة الدينية والمحكومة بدوافعها السياسية وأهدافها الخفية من جانب آخر. إن خروج القارة السمراء من مأزقها القائم اليوم لا شك أنه متوقف على خروجها من مأزقها الاقتصادي والناجم عن تدني مستوى المعيشة فيها وشيوع الفقر لدى شعوبها وانعدام الخدمات وتفشي الأمراض وهذا بالطبع لن يتم إلا عبر سلسلة كبيرة من الاستثمارات والمشاريع التنموية التي بالطبع يستطيع العرب أن يقدموها للأفارقة كي يعاد للروابط العربية الأفريقية ألقها وارتباطها العضوي لأن ذلك بمثابة المدخل الوحيد لدعم العلاقات العربية الإفريقية و العودة بها إلى ما كانت عليه أيام الستينيات من القرن الماضي التي شهدت أكثر من مؤتمر عربي إفريقي في القاهرة زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كي تبقى وتحافظ على وشائج علاقات الجانبين على كل ما يخدم مصالحهما المشتركة. |
|