تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل نقتفي أثر اللاتين?

شؤون سياسية
الأحد 16/3/2008
عبد الحميد سلوم

تعاني بلدان أميركا اللاتينية ما نعانيه نحن العرب في منطقتنا لجهة التدخل الأميركي في كافة شؤونها الداخلية,

وقد عانت تلك البلدان وشعوبها تاريخيا ما عانينا وما نزال نعانيه.. بلدانا وشعوبا في الوطن العربي, فهم بحكم الجغرافيا اعتبرتهم الولايات المتحدة دوما الحديقة الخلفية لها ولمصالحها أما نحن فبحكم المصالح النفطية الأميركية والتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) التي هي أهم من أي ولاية أميركية, فإن الولايات المتحدة أعطت لنفسها الحق بالتدخل في شؤوننا وعلاقاتنا وتصنيفنا (معتدلين) و(متطرفين) بحسب ما تقتضي مصالح الولايات المتحدة و(إسرائيل) تماما كما تفعل في أميركا اللاتينية.‏

الفرق أن القادة اللاتين وحتى المصنفين (أًصدقاء) للولايات المتحدة, وبعد تجارب طويلة وصراعات وانقسامات فيما بينهم, قد رسموا لنفسهم هامشا يحرصون على عدم تجاوزه حتى لو طلبت منهم واشنطن ذلك, إذ إن التاريخ علمهم أن الولايات المتحدة ليس لها أصدقاء دائمون وإنما لها مصالح دائمة, ومهما تباينت الرؤى فيما بينهم وتعمقت الخلافات يحرصون بكل السبل ألا تصل الأمور إلى حد القطيعة أو الصدام والسعي إلى حل أي إشكال تحت سقف منظمة بلدان أميركا اللاتينية بعد تغليب الحكمة والعقل على التجاذبات والاستقطابات التي لا تألو الولايات المتحدة جهدا لإغراقهم بها.‏

ففي بدايات شهر آذار وصلت الأمور إلى حافة الحرب بين كل من فنزويلا والإكوادور من جهة وكولومبيا من جهة أخرى, وتم حشد القوات العسكرية على الحدود إثر الغارة العسكرية التي قامت بها كولومبيا في الإكوادور وأدت إلى مصرع الشخص الثاني فيما يعرف ب (قوات كولومبيا الثورية المسلحة) وأربع وعشرين من رفاقه إلا أن القمة التي جمعت قادة أميركا اللاتينية يوم الجمعة في 7 آذار في مدينة سانتو دومينغو عاصمة جمهورية الدومينكان, والتي كان يفترض أن تركز على شؤون الطاقة, كانت فرصة كبيرة سعى الجميع إلى عدم تفويتها لرأب الصدع بين كافة الأطراف المعنية بذلك النزاع,وتطويق الأزمة بروية وهدوء, ما أدى إلى نزع فتيل الانفجار.‏

الرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي محسوب على الولايات المتحدة إلا أنه عانق نظيريه الإكوادوري رافائيل كوريا والفنزويلي أوغو شافيز مؤكدا على الأخوة بين بلدان أميركا اللاتينية, غير آبه برد فعل الولايات المتحدة التي تعتبره حليفا لها, وكان المنتصر الأول من ذلك هو قارة أميركا اللاتينية التي تمكنت من حل أزمتها بدون تدخل خارجي وبدون عنف.‏

كولومبيا شعرت بنفسها أنها معزولة بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة, فشعوب أميركا اللاتينية وبلدانها أصبحت تنظر إلى أي تحالف مع الولايات المتحدة من أية حكومة أنه لا يخدم مصالح هذه الشعوب وبلدانها وعندما كان الرئيس الكولومبي يتحدث خلال القمة في (سانتو دومينغو) وينتقد رئيس الإكوادور لم يلق آذانا صاغية, وعندما رد الرئيس الإكوادوري واتهم الرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي بالكذب انفجرت القاعة بالتصفيق من قبل القادة المشاركين, الذين يلومون أوريبي على تحالفه مع الولايات المتحدة في منطقة بات يتضاءل بها نفوذ واشنطن.‏

فالرئيس الكولومبي استعار صفحة من الكتاب المسرحي للرئيس بوش حسب تعبير صحيفة هيرالدتريبيون الدولية 10/3 في تنفيذ تلك الغارة في أراضي الإكوادور من دون إذنها.‏

فحسب الصحيفة هناك تشابه ملحوظ بين الغارة ضد الإكوادور وتلك التي قامت بها الولايات المتحدة في الباكستان قبل بضعة أسابيع واستهدفت أحد قادة القاعدة.. ففي الحالتين تم الاعتماد على مخبرين محليين, وتم التنفيذ في بلدان أجنبية دون إذنها, وتم إحراز نوع من النصر التكتيكي ورغم أن كولومبيا تحرص على التأكيد أنها تصرفت بمفردها إلا أن كافة التوقعات تصر على أن التكنولوجيا الأميركية الفائقة لها يد في اصطياد الزعيم الثاني في قوات كولومبيا الثورية المسلحةراؤول رييس.‏

المصالحة التي تمت في القمة اللاتينية في سانتو دومينغو أكدت أن بلدان القارة اللاتينية ربحت بفضل عقلائها الذين غلبوا مصالح شعوبهم وبلدانهم على مصالح الأميركي.. وها هو رئيس فنزويلا أوغو شافيز يخاطبهم في القمة: (لقد حان الوقت لتهدئة التوتر, فالناس يجب أن تبرد قليلا وأن تبرد أعصابها).‏

هذا ما يرجى من الأشقاء العرب في قمة دمشق: الاقتفاء بأثر اللاتين الذين اجتمعنا معهم قبل بضعة أسابيع في بيونس آيرس للتحضير للقمة العربية اللاتينية المقررة أواخر العام في الدوحة, والسعي بصدق وجد لإزالة التوتر وهدوء الأعصاب قليلا, فمصالح الأمة يجب أن تتقدم على أي مصالح أخرى, وما يجمعنا أكبر بكثير مما يجمع شعوب أميركا اللاتينية.. أما ما يهددنا فأخطر بكثير مما يهدد منطقة أميركا اللاتينية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية