|
دمشق عاصمة الثقافة إنه الناقد الدكتور شاكر مصطفى الذي قدم للأدب والتراث العربيين دراسات في غاية الروعة والجمال وأماط اللثام عن شخصيات كان لها شأنها. من كتاب مختارات من دارسي التراث العربي الذي أعده الدكتور علي القيم والدكتور عزت السيد أحمد اخترنا ما كتبه الدكتور شاكر مصطفى حول ملكة دمشق المجهولة زمرد خاتون التي حكمت مع زوجها سنوات وعندما مات تسلم الحكم ابنها الأول اسماعيل فعم الفساد والجهل والظلم, وجاء إلى الملكة الأم ساع همس في أذنها أن ابنها اسماعيل يستريب في سيرتها ويتهمها ببعض القواد, فجن جنون العجوز التي كانت تقارب الستين. وبعد أيام شهدت قلعة دمشق مشهداً فريداً من نوعه, الملكة الأم واقفة في صدر قاعة العرش ومماليكها يمزقون جسد ابنها بالسيوف وهو يستغيث. وحين همدت الأشلاء استدعت الناس ليروا الجثة ثم نصبت ابنها شهاب الدين محمد وصارت منذ تلك اللحظة صاحبة الأمر والنهي. وكان زنكي وهو قائد تركي ينصب شباكه لأخذ دمشق فخطر له خاطرة سياسية شيطانية وهي الزواج من زمردخاتون, وما أن جهزوا الملكة وأخرجوها لعريسها المنتظر حتى أغلقوا أبواب دمشق دونه ودونها. وأحس زنكي أنه لم يظفر من هذه الصفقة بغير العجوز فأرسلها إلى حلب تنتظر ولم يعد أحد يهتم بها وقضت ثماني سنوات من الوحدة والإهمال, ولما قتل زوجها زنكي في حصاره لبعض قلاع الفرات قررت الحج عن طريق بغداد ولما انقضى الحج بقيت في المدينة المنورة لعلها تجد في جوار قبر النبي العزاء والسلوان. ومضت الأيام والسنون, وعفا النسيان على كل خبر لهذه المرأة. وعندما شيعوا جثمانها الفقير إلى مقبرة البقيع كان معظم المشيعين يعرفون أنها كانت تغربل القمح للناس كي تعيش وتخدمهم كي تأكل وهي في التسعين من عمرها, وقلائل من أولئك المشيعين كانوا يعرفون إنها هي نفسها الملكة زمرد خاتون ملكة دمشق التي ذكرها التاريخ وخلق لها كل الأعذار لجريمتها البنوية فقد استنسخت الكتب وقرأت القرآن وبنت مسجداً كبيراً غربي دمشق عرف بمسجد الأصحاب, والأهم من هذا وذاك أنها بنت في دمشق مدرسة للفقه كانت أكبر مدارس الحنفية وأكثرها أوقافاً وأجودها رزقاً. وتتالت أجيال من العلماء والطلاب الذين ظلوا ينعمون بآلاء هذه المرأة قروناً عدة ويدعون لها بالخير, وكان هذا خيراً لها من كل أنسابها الملكية. |
|