|
شؤون سياسية بدليل أن ضغوطهم المتواصلة لمنع توريد مادة الغاز قد حرمت السوريين ما يفوق ال 50 بالمئة مما يحتاجونه من هذه المادة الهامة بالظروف العادية، ولكن الخبر الأكثر جودة هو إقرارهم بأن هذه العقوبات فشلت في تحقيق أهدافها ولم تفلح في كسر إرادة السوريين أو تنجح في ضرب الثقة القائمة بينهم وبين حكومتهم وهي سر تماسك سورية خلال الأزمة الراهنة، ويعود هذا الفشل الغربي الجديد إلى قناعة السوريين بأن هذا الغرب المنافق لا يبحث عن حرية الشعوب وحقوقها وديمقراطيتها بقدر ما يبحث عن أطماعه ومصالحه وإن جاءت على حساب دمار الأوطان الأخرى وقتل شعوبها ، ولعل المشهد العراقي مايزال طازجا لمن يريد أن يعيد اكتشاف هذا الغرب مرة جديدة. فمنذ ستة عشر شهرا والولايات المتحدة الأميركية ومعها حلفاؤها التابعون في الاتحاد الأوروبي والمنطقة ودول أخرى حول العالم يواصلون ضغوطهم السياسية والاقتصادية ضد سورية عبر سلسلة متلاحقة من العقوبات الاقتصادية المجحفة التي تطال الإنسان السوري دون أن توفر معارضا للحكومة أو مناصرا، ومع ذلك ظهر السوريون مرة جديدة على حقيقتهم الحضارية التي لا يريد أن يراها الغرب أو يعترف بها، الحقيقة التي تقول أن الشعوب الكبيرة هي التي تولد من رحم الأزمات الكبيرة، فكثير من الشعوب تهاوت واندثرت وفقدت هويتها الحضارية وتخلت عن حقوقها وثوابتها عندما تعرضت لمثل هذه الضغوط والحروب، وكأن الغرب المعروف بثقافته الاستهلاكية لا يقرأ ولا يتعلم من تجاربه، فقد سبق لبعض دوله الحالية أن استعمرت بلادنا وجرب فيها كل أنواع ظلمه وطغيانه ومحاصرته لإرادة شعبنا الحرة لكنه هزم أمام جبروت شعبنا وعنفوان صموده، وهاهي تجربة شعبنا العربي في فلسطين حية ناصعة تضج بآلاف العبر والحكايا، فكم نال هذا الشعب الصامد من ظلم واضطهاد وقهر جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وقمعه وإرهابه بحق أبنائه لكنه بقي متمسكا بقضيته وأرضه وعروبته ومقدساته رغم تخلي أغلب الأشقاء والأصدقاء عنه. وفي منطقتنا أيضا حوصرت إيران وشنت ضدها الحروب وفرضت عليها العقوبات تلو العقوبات من أجل تحطيم ثورتها الفتية ولكن الشعب الايراني خرج من كل هذه الأزمات بإصرار أقوى على بناء دولته وحضارته بشكل أذهل أعداءه وجعلهم يتسولون التفاوض مع حكومته من عاصمة إلى أخرى في الملف النووي وغيره من الملفات الأخرى، ولو استطاعوا كسر إرادة الشعب الايراني لما تنازلوا قيد أنملة عن أطماعهم وأوهامهم. واليوم تبدو سورية وكأنها ساحة المواجهة الرئيسية مع الغرب الذي يريد إفراغ المنطقة من العاصين لأوامره وإملاءاته، ولذلك يخرج كل ما لديه من أساليب الضغط والحصار ويمارس كل أنواع التضليل والفبركة عله يحسم المواجهة بأقل الأضرار والخسائر، ولكن السوريين الذين يحفظون هذا الغرب عن ظهر قلب لن تخدعهم أكاذيبه وأضاليله ولن تزيدهم إلا قوة وإصرارا، فهل يعقل أن يصدق أي سوري أن هذه العقوبات الاقتصادية يمكن أن تصب في مصلحته أو أن ترسمل له رصيدا في قائمة حقوقه وحرياته، ولكن في المقلب الآخر يصدمنا منظر بعض السوريين وهم يتلذذون بمعاناة الشعب السوري جراء الحصار والعقوبات، ويحرضون دول الغرب الاستعماري على المزيد من الضغوط والعقوبات وقد تحولوا إلى أعداء حقيقيين لأبناء جلدتهم تحت عناوين المعارضة السياسية في الخارج. هؤلاء المعارضون المأجورون المرتهنون للخارج لا تعنيهم سورية أو شعبها في شيء، هم فقط يريدون الوصول إلى كراسي الحكم والسلطة ولو عبر التدخل العسكري وقتل شعبهم وتدمير دولته لكي يتمكنوا من خدمة أسيادهم ومشغليهم في عواصم الغرب، فهل يمكن لعاقل أن يصدق بأن مؤتمرا في باريس لا يلتحق به أو يجتمع فيه سوى الأعداء والخصوم والعملاء يمكن أن يتحول إلى مؤتمر لما يسمى «أصدقاء سورية»، هل باتت الصداقة مفهوما مقلوبا كما هي حال الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في عالم اليوم، أم إن هؤلاء المجتمعين لم يعودوا يعيرون اهتماما لعريهم وفضيحتهم المدوية. وعلى مبدأ القافلة تسير «.....» تنبح ستظل مسيرة الإصلاح في سورية تتابع سيرها إلى الأمام وفق الأجندة التي يرسمها السوريون أنفسهم لا غيرهم، الأزمة الحالية ورسم سورية المستقبل هي من اختصاص السوريين أنفسهم وعلى المراهنين على غير ذلك أن يعيدوا حساباتهم جيدا لأنهم يواجهون شعبا أسطوريا عمر حضارته آلاف السنين لا قبائل نائمة في الصحراء استيقظت فجأة فوجدت تحتها آباراً من النفط والغاز فحارت كيف تستخدمها وتستثمرها، فتحولت بفعل الغباء السياسي إلى عنصر قوة في يد أعدائها بدل أن تكون قوة لحاضر ومستقبل شعوبها..!!! |
|