|
ثقافة ولقد عرف في تاريخنا القديم تشدد مشابه هو تشدد الخوارج الأوائل، وتصلبهم في آرائهم، بينما امتلأت الساحة الإسلامية بالفرق والمذاهب، ولم يعد النطق بالشهادتين عاصماً للدم والمال والحرمات، كما ورد عن رسول الله : «من قالها فقد حن دمه» بل صار الأمر إما أن تقول بما نقول به، وإما صنفناك كافراً، وهم يكفرون الآخرين لأي فكرة تفترق بها عنهم في الاجتهاد، ولسنا ندري من أين جاءت هذه الأحقية، وتلك العصمة لمحمد بن عبد الوهاب، ولأتباعه، حتى يصبح قولهم وحده القول الحق، وماعداه فهو محض باطل،!! في مقال سابق مررنا بتكثيف شديد على أهم مقولات الوهابية، ولاننسى هنا أن نشير إلى أن ابن عبد الوهاب كان قدوته في العلم، ومنبع علمه ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزي، وهما من مهد لهذه التكفيرية الضيقة، وابن تيمية كما هو معروف، نبذه شيوخ دمشق، وسجن فيها ومات في السجن بسبب تطرفه، فتلقفه، على بعد الأزمنة، ذلك الشيخ النجدي الذي كان البوابة الصالحة لذلك التسلل المخابراتي الانكليزي، والذي فتح عالماً فسيحاً لمخابرات أميركا فيمابعد، حين نسرد بعض الأحداث التي قامت بها الوهابية، فلكي نضع رؤيتها مترجمة على الأرض بين أيدي الناس، بعيداً عن التعصب الأعمى، وبمنأى عن أثر الريال السعودي، أو العملة الخليجية، لأن الدراهم مراهم، عند البعض، يتداوى بها وهابيون صرحاء، وعدد من العلمانيين، والذين سافروا زمناً طويلاً في عربات اليسار، حتى إذا انكسرت الدولة المركز، (الاتحاد السوفياتي) بحثوا عن مركز آخر، فهم أبداً يبحثون عن موقع، يرونه مناسباً، وليس مهماً مدى تناسبه مع مصلحة الوطن في مقطع زمني بالغ الخطورة، في واحدة من غارات الوهابية، في بداية دعوتهم، أغارت الوهابية على الحرمين، وما أقاموا حرمة لتلك البقاع الشريفة، فنهبوا الأموال، وسبوا النساء، وقتلوا العلماء والعامة، وسرقوا محتويات الحجرة النبوية الشريفة في مكة والمدينة، ولما دخلوا (الطائف) قتلوا الناس قتلاً عاماً، واستوعبوا الكبير والصغير، والمأمور والأمير، والشريف والوضيع، وصاروا يذبحون على صدر الأم الطفل الرضيع، وكانوا يصعدون إلى البيوت يخرجون من توارى فيها فيقتلونهم، فوجودا جماعة يتدارسون القرآن فقتلوهم عن آخرهم، وخرجوا إلى الحوانيت والمساجد وقتلوا من فيها، ويقتلون الرجل في المسجد وهو راكع ساجد، أرجو ألا نمر بمسألة ذبح الطفل الرضيع على صدر أمه مرور الكرام، بل اعتبارها فتوى عملية تسمح بذبح الأطفال من غير الوهابيين، وهو مافعلوه في الجزائر، وفي سورية على مانعرف، كما أرجو أن نستعيد من الذاكرة شيئاً من سواد الجاهلية، ومن ظلمة البداوة في بعض تجلياتها المتردية، لأن هذا سيضع بين أيدينا أن قسوة التقطيع، والتنكيل، والغلظة هي من سمات كل من الجاهلية والبداوة معاً، ويعرف هذا من سمع، أو قرأ ماذا كان يفعل بعض البدو في غزواتهم على القبائل الأخرى. هذه الهمجية الفظيعة تضعهم، باسم الدين، على مستوى التتر الذين لانجهل مافعلوه ببغداد حين احتلوها، والوهابيون، كما نقل، في بداية دعوتهم الدموية نهبوا النقود والعروض والأساس والفراش، فصارت الأموال في مخيماتهم كأمثال الجبال، إلا الكتب، - انتبه إلى هذا الاستثناء- فإنهم نشروها في تلك البطاح، وفي الأزقة والأسواق، تعصف بها الرياح، وكان فيها من المصاحف، والرباع ألوف مؤلفة ومن نسخ البخاري ومسلم،.. ومكثت أياماً يطؤونها بأرجلهم ولايستطيع أحد أن يرفع منها ورقة، هذا والكثير من أمثاله جرى تحت غطاء مقولة محمد بن عبد الوهاب الذي كان يقول: إني أدعوكم إلى التوحيد، وترك الشرك بالله، وجميع ماهو تحت السبع الطباق مشرك على الإطلاق، ومن قتل مشركاً فله الجنة، وماهو تحت السبع الطباق هو هذا العالم الذي نحن فيه، وهذا في عرفهم كله مشرك، مسلمين وغير مسلمين، ويروون أن ابن عبد الوهاب كان يأمر من يتبع دعوته، إذا كان قد حج يقول له: «حج ثانياً فإن حجتك الأولى فعلتها وأنت مشرك، فلا تقبل، ولاتسقط عنك الفرض». وإذا أراد أحد الدخول في دينه يقول له بعد الشهادتين اشهد على نفسك أنك كنت كافراً، وعلى والديك أنهما ماتا كافرين، وعليه أن يشهد بكفر عدد من كبار علماء الأمة، فإن شهد قبله وإلا قتله» و«كان يصرح بتكفير الأمة منذ ستمئة سنة، ويكفر من لايتبعه،ويسميهم المشركين،ويستحل دماءهم وأموالهم. في هذا السياق يتقدم سؤال معاصر هو كيف يسمح أتباعه بطواف وفود الحجيج من بلدان المسلمين كافة، وكلهم مشركون في نظر شيوخ الوهابية، أم إن الدراهم مراهم، حتى في العقائد. - كان ابن عبد الوهاب وأتباعه يرددون من دخل في دعوتنا فله مالنا وعليه ماعلينا ومن لم يدخل معنا فهو كافر حلال الدم والمال.. - يقول ابن باز الوهابي المعروف عن المستغيثين والمتوسلين بالأنبياء والصالحين والأولياء إنهم: مشركون كفرة، لاتجوز مناكحتهم ولادخولهم المسجد الحرام،ولا معاملتهم معاملة المسلمين ولو ادعوا الجهل ولايلتفت إلى كونهم جهالاً بل يجب أن يعاملوا معاملة الكفار. - لقد تمردت الوهابية سلوكاً على ماأدبنا به القرآن الكريم فقد جعل للوالدين حق الطاعة والتقدير والاحترام حتى وإن كانا على غير هدى وقد أدبنا القرآن الكريم بعلاقة سيدنا ابراهيم الخليل بوالده الذي كان من عبدة الأصنام حين قال لوالده: سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا -مريم-47 ولقد أوصى الإسلام المحمدي الرباني بالوالدين، وأن نخفض لهما جناح الذل من الرحمة ومع ماورد في هذا الباب من ضرورة التمسك بالكمالات العليا، فإن تشدد التكفير الوهابي في سطوته قد خرق كل حرمة، وخرج بالعواطف البشرية وبردود الفعل إلى حدود قصوى ولم يرتضوا لأنفسهم أن يسيروا على ماشرع الله، بل شحنوا بعض النفوس بما لايوصل إلا للدم. - في التوغو كان أحد الرجال يهتم بإقامة المولد النبوي الشريف هذا الرجل ذهب ابنه إلى السعودية وهناك لقنوه المذهب الوهابي وحين عاد إلى بلده قال لأبيه أنت كافر، استجابة للنظرة الوهابية فقتل الأب ابنه، - في الحبشة - ومعلوم أن لأهل أفريقيا ولعاً بتقديس بعض الطقوس ومنها المولد النبوي. في الحبشة أولم رجل في مولد وكان ابنه قد صار وهابياً وجهز الطعام لإطعام الناس فجاء الابن فسكب زيت الكاز على الطعام، لأن هذا منكر بزعمه وكان الأب خارج البيت فلما عاد أخبره الحاضرون بماجرى فقتل الرجل ابنه ثم سلّم نفسه للشرطة فأي عقيدة هذه؟ لعل من الجذور الجامعة بين دعوات التوحيد كلها أنها تحمل قدراً من الحب من «الله محبة» إلى «الخلق كلهم عيال الله»... وكان من تفريعات رؤية المحبة أن تحب كل ماحولك، فتصونه وتحميه من الذرة إلى المجرة، فلاتسعى لتخريب شيءفي هذه اللوحة الربانية المدهشة، أما أن تكون قاسياً فظاً، غليظ القلب، فذلك ليس في شيء من الإسلام ولامن منظومة التدين التي تضع في اعتبارها مسألة الحب كقضية مركزية،بينما لاتجد في الوهابية أي نفحة من نفحات المحبة والرحمة، بل هي تكفير الناس والغلظة على عباد الله والنظر إلى الناس جميعاً على أنهم كفرة فما الذي تبقيه مثل هذه العقيدة من جمال العلاقات الإنسانية والروح الرحمانية !! |
|