تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحجر المتدحرج لاينبت عليه العشب

معاً على الطريق
الخميس 1-10-2009م
عبد النبي حجازي

في إحدى تمثيليات القصاص الشعبي حكمت محسن الناقدة يلتقي أبورشدي مع (أبوفهمي) ومعه ولد فيسأله:

- من هذا الولد ؟ ‏

- مخدومك ابني .‏

- كم سنة عمره ؟‏

- تسع سنوات .. عشر سنوات ، وبعد لا أدري كم سنة يأخذ شهادة لا أدري ماذا يسمونها.‏

ويطلب أحدهم موعداً من آخر فيقول: الساعة السادسة , السادسة والنصف ويسأل أحدهم آخر عن قيمة سلعة يفكر بشرائها فيجيب: عشرة آلاف خمسة عشر , أو: كم من الوقت تغيب عنا ؟ فيجيب: شهراً , شهرين , ثلاثة . أو: متى ستسافر ؟ فيجيب: حسب التيسير , أو: خلال يومين ثلاثة إن عشنا والله (خلاّنا) ... وما أكثر هذه الأمثلة في حياتنا اليومية , ولقد كانت العادة في أسواقنا أن يطلب البائع خمسين فتقول له عشراً وتشتبك معه في (المفاصلة) وعندما بدأ بعض أصحاب المحال يضعون سعراً مناسباً للسلعة يصرون عليه كادوا في البداية يعانون من الكساد حتى تعوّد الناس , والغريب في الأمر أن من يتمسك بالمواعيد ويصرّ عليها يبدو في مجتمعنا شاذاً .‏

لتعبئة البطاطا أو البندورة أو البرتقال ونقلها من مواقع الإنتاج إلى الأسواق طريقتان إحداهما أن تعبّأ في أكياس ، والأخرى أن توضع في صندوق الشاحنة (دوغما) أي بلا تعبئة ولست أدري من أين جاؤوا بهذه التسمية وكلمة (dogma) تعني بالإنكليزية (العقيدة أو المبدأ ـ أي بعكس معناها المقصود) وهي تعني في المجال العام البعد عن الحسم والهروب من التفاصيل والجزئيات , والانفلات من التأطير .‏

إن الناموس الاجتماعي يجعل الحياة اليومية بعقلية (الدوغما) مزيجاً من الحلم والوهم عارية أو شبه عارية من الواقع , لأن الجزئيات هي مفردات الحياة اليومية ، وهي ضرورة يتكون منها (الشمول) مهما كانت بسيطة كأن يكون في حذائك مسمار ينغرز في لحم قدمك فيجعل المشي صعباً أو مستحيلاً .‏

إن انعكاسات هذا الموضوع على الدراما (التلفزيونية والسينمائية) عندما يزعم بعض المخرجين أنهم يجوِّدون أعمالهم ويرقون بها فتراهم يجردونها من الواقع , ويجعلون أهدافها مائعة ، أما انعكاساته على حياتنا العامة بكلّ مجالاتها وخاصة السياسية فإنه يؤدي إلى الشعارات الفضفاضة ، والخطب الرنانة ، ويجعل أهدافنا شبيهة بالأشباح وكأننا نحارب بسيوف من خشب على أفراس من طين .‏

ولئن كان القصف الإسرائيلي على قوارب الصيادين في غزة لا يتساوى مع حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى أو مع محاولات المتطرفين الصهاينة الاستفزازية في الإساءة إلى حرم المسجد فإنها مفردات القضية الكل ومتمماتها وهي (اغتصاب فلسطين) وفي تاريخنا عندما امتنع بعض المرتدين عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول (ص) قال أبو بكر: سأحاربهم ولو منعوني عقال بعير .‏

ومهما تكن الجزئيات ضرورية وهامة فإن الغرق فيها يعني الخلل في التوازن النفسي والاجتماعي . سأل بدويٌّ رجلاً : كم الساعة ؟ أجابه : عشرة وعشرة ، فردّ البدوي بنزق: قل عشرين . anhijazi@gmail.com‏

">‏

anhijazi@gmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية