|
من داخل الهامش في موقف بسيط ومعبر تتكثف الكثير من الأفكار في الرثاء والتأبين لتقول ما لا يستطيع العقل أن ينتجه على مدى سنوات صاخبة كاد أن يملها العمر، وفي أحيان أخرى كأن الإبداع الكامن خلفها هو ذاته الذي يتحين فرصة الحضور، فتأتي ترجمة أمينة ومتقنة لتلك السنوات. في رثاء القامات الإبداعية الكبرى تتحول الكلمات في الغالب إلى لحظات جمر تتقاذف بعضها، وأحيانا تكون لغة للتكفير عن الكثير من الخطايا التي لم يتح العمر فرصة للبوح بها، وها هي لحظة التأبين الفرصة المنتظرة. والسؤال هل أتقنا كل هذه الطقوس وفشلنا في البقية الباقية التي نحتاجها دائما لتكون الممر الإجباري لتعويض ما فات، ولاستدراك ما ذهب؟! ليست القضية في الأحجيات المتعددة التي نقدمها لتبرير تقصير هنا، بل غالبا في فراغ هائل ينتصب متحديا أن يكون هناك من يجرؤ على التفكير بأن البديل القادر على سد فجوة الغياب، لن يتأخر كثيرا، أو على الأقل لن يكون هناك ملمح من ملامح العجز التي ستحول دون ذلك. لم يكن التمرد السمة الوحيدة التي جعلت من الراحل علي جندي رقما ومساحة وحضورا واتساعا، لكنه ربما كان الصيغة التي اتفق الكثيرون على الركون إليها لتبرير ما لا يقدر أحد على تبريره، ولم تكن غربة الرحيل التي تطوف الأرجاء بعد غيابه مجرد حالة من الاحتجاج على الكثير من التفاصيل الغامضة في لحظة الحضور، وإنما أيضا محاولة للتذرع بها كي لانكون مرة أخرى أمام الأسئلة المستحيلة التي يتركها رحيلهم، وصمتهم الأبدي. من المفجع أن يتكرر المشهد، وأن يكون الملمح ذاته نعيش لحظات رثاء تليها أخرى للتأبين ونقفل راجعين إلى حيث كنا، وإلى حيث كان الصخب قائما وممتدا دون أفق أو نهاية، حيث الصمت يرسم ملامح المكان فيما الزمان نترك حوله ألف إشارة استفهام دون أن يثير فينا الريبة والشك في جدوى ما نحن فيه!! . |
|