|
آراء قال عصفور: مبكراً كان رحيله. قالت عصفورة: من سيعلمنا بعده أبجدية الطيران؟ كانوا مجموعة من الأطفال الصغار يجلسون تحت جدار حديقة البيت، يقتانون الحزن، ويشهقون بكلمات اللوعة، ويحضنون الكون بإطراقة ووجوم. - لماذا مات؟ - ليته يعود - رأيته البارحة في الحلم. - لن أخلع ثيابي السوداء أبداً لم أر طوال عمري أسى يعادل أساهم ولم أسمع تعابير صادقة مثل التي سمعت، إنهم أطفاله الذين فتحوا عيونهم على ابتسامته الحنون، وحبوا في ساحة عطفه الفياضة بالدفء، وترعرعوا عند ضفاف نهره الدفاق بالحب والشمائل الطيبة، مثل ورود نضرة حبتها الشمس أغلى ما عندها. الأيام تمضي، تمضغ الأحلام والنواميس والنداءات التائهة في وحشة الدروب، حيث الأصوات شاحبة، والأفكار مغلولة إلى الأعناق، والصبر يبدو مثل نار كاوية، والدم السوري يوغل في الرجاء: ألا من مجير! نذهب إلى تقليب العبارة الواضحة كوضوح النهار، ندور في فلك مأزوم محموم يخلص إلى تراجع إنساني شكلاً ومضموناً وسيل الدماء يمضي إلى لا تراجع كما هو جلي، والبشر يتساقطون فرادى وجماعات على تراب هو الوحيد، في أثناء الحروب يفلسفون القتل كل على هواه، لتكون النتائج عصيبة. الواقع مثقل بالفجائع والسواد والأرواح التي تشكل في مسار الأيام أعداداً لا تحصى من التغييب المقصود غير المألوف لدينا... ماذا جرى؟... ولماذا؟ أسأل وأسأل وأنا أسمع وأشاهد وأذوي عند ناصية الحال ماذنب الأطفال، وماذنب الأمهات؟ وكيف نلم نثار الفوضى الحاصلة ضمن جعبة الأمان؟ في يوم لاحق... شاهدت مجموعة العصافير ذاتها تحت سور الحديقة، يتابعون حديثهم الماضي وكأنهم لم ينقطعوا عنه أبداً. لكنه جاء هذه المرة بصيغة مختلفة، ونبرة أخرى ومفردات ترسل رائحة مشوبة بخصوصية ذات معنى. جئت إليهم من قلب جرحي، أتقرى وعيهم الذي يفوق أعمارهم، لأتعرفهم عن قرب، وقفت أمامهم معجبة فخورة وقد حمل كل منهم بيده دفتراً للرسم صور على إحدى صفحاته شيئاً ما تناولت الدفاتر على التوالي فرأيت أموراً تثلج الصدر وتجيب على سؤالاتي، وتفتح في قلب العتمة نافذة ضوء. لقد دارت موضوعات الأطفال كلها حول محور واحد يتناول حول الحدث الجلل الذي اغتال فرحهم ذات وقت كانوني في كئيب، معبرين عن حال أمل منتظرة يحققها لهم الآتي، فذلك رسم والده فوق جواد أبيض، وذلك رسمه بجناحين محلقين، وتلك أحاطت وجهه بهالة نور كبيرة، ليكون للشمس مركز الصدارة في مختلف اللوحات. علمت من خلال اطلاعي أن هذا السرب من العصافير من هواة الرسم، وقد حدث الفاجعة إلى التعبير عن مكنوناتهم بالإبداع، ابتسمت ابتسامة زهو ملأ بستان روحي ياسميناً أبيض، قطفت ياسميناتي بسرعة البرق، وركضت أنثرها على الدرب الذي يسير عليه صغار الوطن. |
|