تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صلاح الأحمد..عقــــل عالــــــــــم وقلــــــــب شـــــاعر

ثقافـــــــة
الخميس 3-1-2013
 أحمد بوبس

في حياة كل إنسان أشخاص لايمكن أن ينسيه إياهم بعد الزمان أو نأي المكان. أشخاص نُحتوا في ذاكرته، فلا رياح تذروهم ولاحت يمحوهم. وفي ذاكرتي عديدون من هؤلاء.

الدكتور صلاح الأحمد المربي وعالم الرياضيات والمحب للشعر، بل والشاعر، من أكثر الناس التصاقاً في ذاكرتي، رغم مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاماً على أول معرفتي به، ونحو خمسة عشر على رحيله، مازال يحتل مساحة كبيرة من قلبي واحترامي.‏

والدكتور صلاح الأحمد رجل استثنائي بكل ماتحمله هذه العبارة من معنى. فهو ليس أستاذا جامعيا وحسب، بل هو عالم رياضي أيضاً. وإذا كان هناك من يفتخر أنه خريج جامعة السوربون فإن الدكتور الأحمد كان أستاذاً زائراً في تلك الجامعة يسافر إليها بين فترة وأخرى لإلقاء محاضراته فيها.‏

ووضع الأستاذ الجليل الكثير من المؤلفات في علوم الرياضيات المتنوعة. وهذه المؤلفات هي اليوم مراجع مهمة للدارسين والمدرسين والباحثين في الرياضيات. ومن الكتب التي وضعها من مقررات قسم الرياضيات في كلية العلوم بجامعة دمشق (كتاب مبادئ الإحصاء النظري) (وكتاب الهندسة التفاضلية) والثاني بالاشتراك مع الدكتور محمد بشير قابيل، والكتابان من منشورات جامعة دمشق. كما ساهم مع عدد من الأساتذة في ترجمة سلسلة الرياضيات العالية الشهيرة (سمير نوف). كما ترجم (التجديد في تدريس العلوم - دراسة تركيبية: في المجال العلمي) مع الاستاذ شحادة الخوري. وله عدة كتب باللغة الفرنسية في نظرية (القياس). وكان همه تعريب المصطلحات الرياضية، فاشترك بوضع معجم الرياضيات المعاصرة مع الدكتور موفق دعبول والدكتورة إلهام حمصي.‏

وكان الدكتور الأحمد رئيس اللجان التي وضعت مناهج الرياضيات الحديثة في الوطن العربي في أوائل السبعينات من القرن العشرين. فهو الذي أدخل الرياضيات المعاصرة (جبر المجموعات) إلى سورية والوطن العربي. وربما كنت من طلاب الدفعة الأولى أو الثانية من طلاب قسم الرياضيات بجامعة دمشق الذين تعلموا هذه الرياضيات المعاصرة على يديه. وكنا نواجه صعوبات كبيرة. فقد كانت المعلومات بالنسبة إلينا كالطلاسم. لانفقه منها شيئاً، ونحن الذين تعودنا على الرياضيات التقليدية. كان كلامه بالنسبة إلينا أحجيات صعبة الحل (عنصر يتنمي إلى مجموعة، ومجموعة محتواة في مجموعة، والتقاطع والاجتماع والمجموعة الخالية) وغيرها من الطلاسم. وأذكر أنه في إحدى المحاضرات لمس عجزنا عن فهم مايلقنه لنا. فابتسم وقال لنا (إن المعلومات البسيطة هذه التي أقوم بتدريسها لكم في الجامعة، يتم تدريسها في فرنسا لطلاب المرحلة الابتدائية). وكم ضحكنا على أنفسنا بعد ذلك، بعدما اكتشفنا بساطة وجمالية الرياضيات الحديثة التي هي من صلب حياتنا، والتي هي أساس التقدم العلمي والتكنو لوجي الآن.‏

وخاض الدكتور صلاح الأحمد غمار التراث العلمي العربي في مجال الرياضيات. محققاً ومدققاً. فقد قام بتحقيق كتاب (الباهر في الجبر) تأليف السموؤل المغربي بالاشتراك مع رشدي راشد. وفي الكتاب أثبت بالوثائق أن (قانون باسكال) لنيوتن أثبته عالم عربي اسمه أبو بكر الكرخي قبل سبعة قرون من زمن نيوتن. كذلك أثبت الدكتور الأحمد أن أهم انجازات ديكارت في الهندسة التحليلية سبقه إليها العالم العربي شرف الدين الطوسي في القرن العاشر في كتاب موجود في المكتبة الوطنية بباريس، ويحمل الكتاب عنوان (المعادلات).‏

والدكتور صلاح الأحمد كان متقناً للغة العربية. وكان مولعاً بالشعر، بل وشاعر. فهو من أسرة الشاعر الكبير بدوي الجبل وابن الشاعرة المجيدة فتاة غسان. ومازلت أتذكر تلك الجلسات الجميلة في مكتبه بكلية العلوم بجامعة دمشق، حينما كان أستاذاً في قسم الرياضيات ومن ثم رئيساً له، وكنت طالباً في الكلية. كان يسمعني أشعاراً من محفوظاته، وبشكل خاص لوالدته الشاعرة (فتاة غسان)، وأحياناً يسمعني بعض منظوماته. ويطلب مني أن أسمعه جديدي في الشعر. فقد كنت وقتها شاعر كلية العلوم.‏

وأخيراً لابد من نبذة عن أستاذنا الكبير. فصلاح الأحمد من ومواليد طرطوس عام 1927. وتخرج من جامعة دمشق عام 1952. ونال الدكتوراه في الرياضيات (في فضاءات باخ) بدرجة شرف من جامعة السوربون عام 1962. تفرغ لعلوم الرياضيات طوال حياته تدريساً وبحثاً وتأليفا. ورحل عام 1998. وتكريماً له سميت باسمه قاعة تدريسية في كلية العلوم بجامعة دمشق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية