تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لاغارد لتولي رئاسة صندوق النقد الدولي

شؤون سياسية
الأثنين 27 -6-2011
بقلم : توفيق المديني

لكي تعوض دومينيك(ستراوس-كان) الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي المتهم بمحاولة اغتصاب عاملة فندق في نيويورك، ليس لوزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد من منافس ذي وزن قوي سوى رئيس البنك المركزي المكسيكي أوغوستان كاسترنز. أما المرشحون الآخرون فيقفون وراءها.

منذ توقيف دومنيك ستراوس- كان، شدد الأوروبيون على أن تظل رئاسة صندوق النقد الدولي من نصيبهم، بهدف قطع الطريق على أي منافس آخر ترشحه البلدان الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل. فقد تحدثت الحكومة البرازيلية عن «معايير جديدة» للقرار بشأن من يرأس صندوق النقد الدولي، فيما دعا مسؤول صيني إلى «الإنصاف والشفافية والجدارة» في الاختيار.‏

وتنتقد كبرى الدول الناشئة، أي البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا، هيمنة الأوروبيين على منصب مدير صندوق النقد الدولي. وبموجب اتفاق ضمني، فإن إدارة صندوق النقد الدولي تعود إلى أوروبي منذ العام 1946 فيما تتولى شخصية أميركية إدارة البنك الدولي. وأقرت الوزيرة الفرنسية لاغارد بأن هذه الدول «تعبر اليوم عن قلق وإحباط. إنها تأمل في الاعتراف بمصالحها ووضعها الاقتصادي والتعبير عنهما في إدارة الهيئات الدولية»‏

منذ انفجار الأزمة في صندوق النقد الدولي، حصل الاصطفاف الأوروبي خلف وزيرة المال الفرنسية كريستين لاغارد(55 عاماً)، المحامية التي تسلمت مفاتيح برسي(مقر وزارة المال الفرنسية) منذ سنة 2007، والتي اكتسبت سمعة واسعة واحدة من السفراء الأوروبيين الأكثر نفوذاً في عالم المال حول العالم. فقد رأت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن هناك «أسباباً جيدة» لكي يحتفظ الأوروبيون بمنصب المدير العام للصندوق. وتعتبر ألمانيا المساهم الأول في الصندوق فيما يتعلق بمخططات إنقاذ البلدان التي تواجه حالات من الإفلاس كاليونان، وأيرلندا، والبرتغال، حيث كان صندوق النقد الدولي مشاركاً في عمليات التعويم. وعلى الرغم من وجود علاقات صعبة بين ميركل وساركوزي، فإن لاغارد استطاعت أن تنسج علاقات ثقة مع وزير المال الألماني فولغانغ شوبل، الذي أيد ترشيح نظيرته الفرنسية كريستين لاغارد باسم الاتحاد الأوروبي لشغل منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي خلفا لدومينيك ستروس-كان.‏

وقال الوزير الألماني في مقابلة مع صحيفة« بيلت أم سونتاغ» نشرت يوم الأحد 22 أيار 2011:« إذا قررت كريستين لاغارد أن تترشح، ستحصل أوروبا على أفضل الفرص لشغل هذا المنصب من جديد، لكن من المهم جداً الآن أن تتحدث أوروبا بصوت واحد في هذا الصدد».‏

وأشاد شوبل بنظيرته الفرنسية، وقال إن كريستين لاغارد ملائمة تماماً كشخص لهذا المنصب فهي تحظى بالاحترام والتقدير في عالم المال وشدد وزير المال الألماني على ضرورة أن يتولى أوروبي رئاسة صندوق النقد الدولي، مذكراً بأن التقليد يقضي بذلك« فالبنك الدولي للولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي للاتحاد الأوروبي»، ودعا إلى « الإسراع في اتخاذ قرار في الأسابيع المقبلة».‏

وفي قمة مجموعة الثماني التي عقدت بمنتجع دوفيل شمال غرب فرنسا يومي 26و27 أيار 2011، كان الإجماع حاصلاً بين رؤساء الدول والحكومات للبلدان الرأسمالية الغنية في العالم حول ترشيح لاغارد لرئاسة صندوق النقد الدولي، وختمت المفوضية الأوروبية في روكسيل هذا الصعود المدوي للاغارد بالقول، بأنها أذهلت الجميع في الاجتماعات الأوروبية التي خصصت لمناقشة أزمة منطقة اليورو في سنة 2010، بحضورها القوي، وبإتقانها اللغة الإنكليزية. ففي مواجهة أزمة الديون التي تعصف ببعض البلدان الأوروبية، يريد الأوروبيون الاعتماد على دعم صندوق الدولي الذي يشرف على 100 مليار يورو في قروض لليونان،والبرتغال، وأيرلندا، والذي كان دوره مع دومنيك ستروس -كان، أساسياً منذ سنة ونصف . وتعتبر لاغارد مفاوضة غير عادية، فهي الأكثر أميركانية من بين الأوروبيين، إذ إنها تحب الولايات المتحدة، وعملت فيها طويلاً، فضلاً عن أنها تحظى بسمعة طيبة في أجهزة الإعلام المكتوبة. صحيح أنها لا تتمتع بالحجم الاقتصادي والسياسي الذي كان يتمتع به دومنيك ستروس-كان، لكنها ستعرف كيف تفرض نفسها في صندوق النقد الدولي إذا أحيطت بفريق عمل قوي.‏

من جانب الولايات المتحدة الأميركية التي تقدر مدير البنك المركزي المكسيكي أوغوستان كاسترنز، المنافس القوي للاغارد، فإنها ستصوت لمصلحة الفرنسية، حيث إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، قالت باسمي الشخصي، أنا متحمسة لإعطاء النساء الكفوءات- والحال هذه بكل تأكيد كرستين لاغارد-الفرصة لقيادة المنظمات الدولية. فواشنطن تحتاج إلى أصوات الأوروبيين لكي تستمر في احتلال منصب نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، حيث رشحت الولايات المتحدة لهذا المنصب مستشار البيت الأبيض دافيد ليبتون، فضلاً عن رغبة واشنطن في الاحتفاظ بمنصب رئاسة البنك الدولي في سنة 2012.‏

في سبيل استمالة البلدان الناشئة قامت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد بجولة عالمية على كبرى الدول الناشئة في معرض الدفاع عن قرار ترشحها لإدارة صندوق النقد الدولي. فكانت محطتها الأولى البرازيل، حيث التقت نظيرها البرازيلي غيدو مانتيغا ورئيس المصرف المركزي البرازيلي ألكسندر. وفي برازيليا تعهدت لاغارد بإعطاء المزيد من الثقل للدول الناشئة في حال انتخبت في منصب المديرة العامة للصندوق.‏

أما في الهند، فقد التقت لاغارد مع رئيس الوزراء الهندي منموهان سينغ ووزير المال براناب مخرجي ورئيس لجنة التخطيط مونتك سنغ أهلواليا. ونقلت وسائل الإعلام الهندية عن وزير المال إعلانه بعد اللقاء في نيودلهي« لايوجد ضمانات، نحن نعمل لتحقيق إجماع. وقال يصعب حالياً تحديد ما إذا كانت دول مجموعة«البريكس»-تضم الهند والبرازيل والصين وروسيا وجنوب إفريقيا- ستقدم مرشحاً يمثلها في ظل تباعد في وجهات النظر بالنسبة إلى ترشيح جنوب إفريقيا».‏

الموقف التقليدي للهند يقوم على أن يتولى «المرشح الأفضل» رئاسة صندوق النقد«في معزل عن جنسيته». فقد قال اوادي باسكار من مجموعة الأبحاث «ناشيونال ماريتيم فاونديشن»، إن جنسية لاغارد الفرنسية تصب في مصلحتها نظراً «إلى علاقات التعاطف بين الهند وفرنسا».‏

في جرد حساب انتخابي، تمتلك بلدان مجموعة الثماني 47.75 في المئة من الأصوات داخل صندوق النقد الدولي، كما تمتلك مجموعة البلدان التالية: النمسا وبلجيكا، وجمهورية التشيك، وهنغاريا، واللوكسمبورغ، وسلوفاكيا، وتركيا، نسبة 4.88 في المئة من الأصوات، فيما تملك البلدان الاسكندينافية نسبة 3.4 في المئة من الأصوات، وهذه البلدان ستصوت جميعها لمصلحة كريستين لاغارد، التي يمكن أيضاً أن تحصل على أصوات أخرى من البلدان الناشئة، لكي يكون فوزها برئاسة صندوق النقد الدولي كاملاً.‏

يسعى صندوق النقد الدولي، الذي يتعرض للانتقادات من كل صوب، إلى تغيير صورته. فقد أكد عزمه على إصلاح نموذج عمله وأيضاً سياساته. إلا أنه يواصل فرض برامج تقشف على الدول التي تواجه صعوبات، في حين يرضى بفقدان التوازنات المالية في الدول الغنية، رغم أنها السبب في الأزمة. وتمت إدانة فشل أساليب عمل الصندوق بشدة، ولاسيما من قبل كبير الخبراء الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، جوزف ستيغليتز: «يشكل تحرير التجارة المتزامن مع معدلات فوائد مرتفعة منهجاً لايخطىء تقريباً لتدمير فرص العمل ونشر البطالة على حساب الفقراء(....) إذ يمكن للتقشف في الموازنات المطبق بشكل أعمى في وضع غير مناسب أن يزيد البطالة ويفسخ العقد الاجتماعي».‏

*كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية