|
هآرتس علينا أن لا نصاب بالدهشة والاستغراب مما قاله كورتزر، ذلك لأن رئيس الولايات المتحدة لم يتخذ أي إجراء عندما أساء إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو علناً سواء عند لقائهما في البيت الأبيض أو عندما ألقى خطابه في الكونغرس، ولم يصدر عنه أي ردود فعل حيال رفض نتنياهو لمطلبه بتجميد البناء الاستيطاني، كما وأنه لم يتخذ أي إجراء عندما عارض نتنياهو ما طرحه من أفكار بشأن محادثات السلام وحدود عام 1967. وتساءل السفير أيضا إن كان أحد السفراء الأميركيين قد تحدث بأمر يثير قلق وخشية إسرائيل، لكنه عاد للقول بأن ذلك لم يحصل أبدا. لقد كانت عبارات كورتزر واضحة وضوحا لا لبس فيه ولا غموض خاصة عندما قال في ختام حديثه: «ليس لدى أميركا التصميم للعب دور حيوي إزاء المعضلة الفلسطينية-الإسرائيلية لذلك علينا ألا نحبس أنفاسنا انتظارا لمبادرة أميركية». وأضاف»إن ما ينقصنا ليست المبادرة وإنما الرغبة الفعلية والقدرة على تحقيقها». لم يكن كورتزر الوحيد الذي قيم الواقع على هذا النحو. حيث نجد بأن أحد المسؤولين البارزين في وزارة الخارجية قال:»في الوقت الحاضر، ليس بإمكان واشنطن القيام بتحرك دبلوماسي ذي أهمية في منطقة الشرق الأوسط» وأضاف «سيكون ثمة الكثير من الضجيج في مطلع شهر أيلول المقبل وستصدر مبادرة عن أوروبا، وفي مختلف الأحوال فإن ذلك سيكون عديم الجدوى». في الأسبوع الماضي، تسابق دينيس روس وديفيد هيل للوصول إلى القدس وكأنهما عدائين في الأولمبياد أوكل إليهما حمل شعلة مطفأة دون تزويدهما بما يحتاجانه من وقود الأمر الذي يحول دون تحركهما في هذا المجال. يقول الواقع بأن أوباما لن يعطي اهتماما ويشعر بالقلق إزاء ما يصدر عن رام الله وإسرائيل وأن واشنطن لن تكرس جهودها لخدمة المصالح الإسرائيلية أو الفلسطينية بل إن ما تسعى إليه هو تعزيز مكانتها في المنطقة. وعلى الرغم من إصرار الولايات المتحدة وتأكيدها بأنه ليس بإمكانها أن تعمل للسلام أكثر من الأطراف ذات العلاقة فإن لديها مصالحها الخاصة. وإن ما تقدمه من وساطة لإسرائيل ينطلق من خدمة مصالحها في المقام الأول. وفي الوقت الذي يدخل به الشرق الأوسط في صراعات داخلية باسم التحول نحو الديمقراطية، نجد الولايات المتحدة تدخل في صراع على النفوذ مع روسيا والصين. وفي الوقت الذي تسعى به أوروبا لتلميع صورتها في المنطقة فإن الولايات المتحدة ترغب بإصرار معرفة من يقف إلى جانبها، ووفقا لرؤيتها تسعى لمعرفة الأخيار والأشرار. عرّف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الوضع في المنطقة ببساطة عندما قال بان إسرائيل حليفة للولايات المتحدة في حين أن معظم الدول العربية والإسلامية يقفون ضدها. وأشار إلى أن التحركات التي قامت في الوطن العربي لم تنفذ من قبل الشعب العربي بذاته بل إن الولايات المتحدة هي من قام بتنفيذها بدلا عنهم بغض النظر عما تريده وترغبه شعوب المنطقة. إن أوباما الذي يحاول النأي بنفسه عن مستنقع الغزوات الأميركية التي قام بها الرؤساء الذين سبقوه يسعى جاهدا للمحافظة على نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، وهو في الوقت الحاضر بحاجة لشريك إسرائيلي يقف إلى جانبه ويؤيد نهجه ولديه الثقة والقناعة بأن الدعم والتعاون الأميركي أمران في غاية الأهمية لوجود إسرائيل أكثر مما تشكله المستوطنات التي تشيّد على التلال الصخرية. وإنه في هذا السياق لا يطلب من إسرائيل العودة إلى الماضي بل يعرض عليها ما يحقق لها الفائدة في المستقبل. لكننا مع ذلك نقول بأن ما يقدمه لنا ليس تعاطفا مع قضايانا او التزاما أخلاقيا بنا بل لأنه يخدم مصالح بلاده. نتساءل عما ستؤول إليه الأمور لو عمدت إسرائيل مرة أخرى إلى رفض خطة العمل الأميركية ولم تأخذ باعتبارها أو تكترث لتوجهات أوباما؟ للوهلة الأولى قد يتوقع المرء بأنه لن يحصل أي شيء كما قال كورتزر لأن الولايات المتحدة لن تلجأ إلى فرض عقوبات على إسرائيل ولن تعمد إلى تجميد المساعدات الاقتصادية والعسكرية بل إنها لن تتوقف عن استضافة رؤساء الحكومات الإسرائيلية. لكن الواقع سيؤكد لنا بان إسرائيل ستتحول من شريك إلى زبون يتعين عليه تسديد ما يترتب عليه من ديون في الوقت المطلوب. إن للولايات المتحدة الكثير من العملاء في الشرق الأوسط وغيره وهم يدينون لها بالصداقة والولاء. وإن إسرائيل عندما تقول كلمة «لا» فإنها تدفع بعلاقاتها الاستراتيجية مع حليفتها الرئيسة إلى التوتر الأمر الذي يلحق بها ضررا لا تحمد عقباه.. بقلم : تسفي بارئيل |
|