|
أبجد هوز أمي لم تكن تعرف القراءة والكتابة، وكثيراً ما كنت أحلم لو أنها كانت معلمة مدرسة، إذ لم يكن حينها في مدينتي أي امرأة بمرتبة دكتورة أو مهندسة أو محامية، أما والدي الذي لم يكن يقرأ ولا يكتب، وهو نجار خراطة في دكانه المليئة بالخشب والكراكيب، فكم كنت أتمنى لو كان طبيباً أو تاجراً أو ذا شأن وثروة، لكنه لم يكن كذلك، ولكنني أعترف أنه قد أعطاني أفضل ما يمكنه من عطاء، فهو لم يزجني في مهنته، بل أرسلني إلى المدرسة، وكان يطمح بأن أكون في المستقبل ما كنت أتمنى أن يكون هو من منصب أو شأن. والدي كان متديناً كمعظم أبناء جيله، ذلك التدين الطيب الذي يحمي صاحبه من الحرام في التعامل مع الآخرين من نصب واحتيال وكذب أو نفاق وغسيل أموال، ومع ذلك لم يكن يجبرني على ممارسة الفرائض الدينية التي يؤمن بها حتى في شهر رمضان الفضيل، وترك لي حرية اختيار دراسة فن الرسم الذي أولعت به، مع أنه في ذاك الزمن لم يكن رسم اللوحات يدر على الرسام أي مبلغ على الإطلاق، إضافة إلى أن الكثير كان يرى آنذاك أن التصوير حرام ويذهب بصاحبه إلى جهنم والعياذ بالله، ولم أكن مميزاً على إخوتي، فالحب والعطاء كان موزعاً علينا بالتساوي من الأب والأم اللذين كما قلت لم نخترهما بمحض إرادتنا كوالدين، بل المصادفة وحدها هي التي فعلت. أيضاً لم أختر أن أكون سورياً، بل المصادفة أيضاً هي التي جعلت ولادتي في هذا الوطن لأبوين يحملان الجنسية السورية، وكما أحببت والدي كذلك أحببت وطني الذي لم أختره، فهو الذي نشأت وتربيت وترعرت فيه، وإذا كنت قد سلمت فيما بعد ورضيت بما كان عليه والدي من تواضع في الثروة والجاه، واكتفيت بما قدماه علي من حب وعطاء، فإنني ومنذ وعيي في طفولتي الأولى وحتى الآن مازالت أحلم بسورية، وطني الذي لا أملك وطناً سواه، بأن يكون الأحسن والأجمل والأرقى والأكثر رفاهية ورحابة وحرية من كل الأوطان. مازلت أذكر أغنية أنا سوري يانيالي التي ظهرت منذ سنوات عدة، وكنت أتساءل عن السبب الذي يجعل هذا المطرب شايف حالو ويقول يانيالي، لكنني وبكل قوة الأمنيات مازلت مثابراً على الحلم باليوم الذي يغار مني كل العالم، وأشعر بشوفة الحال دون زيف أو تصنع، وأردد بيني وبين نفسي وأمام كل أهل الله وقدام جميع الخلق، أنا سوري يانيالي. |
|