تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من ظرفاء دمشق (41).. أحمـــد عـزت العابــــد

ســاخرة
الخميس 5-7-2012
نصر الدين البحرة

عدت لا أذكر كيف وأين عرفت أحمد عزت العابد (1932-2005) في دمشق، ولكني أعرف أنه حفيد والي دمشق أحمد عزت (باشا) العابد (1855- 1924)

وهو الذي كان من رجال السلطان عبد الحميد الثاني، وسعى في إنشاء الخط الحديدي الحجازي، وأقام البناء الضخم قرب ساحة الشهداء (المرجة) الباقي كما هو حتى الآن، والمعروف باسم «المنزل» أو «سراية عزت باشا».‏

لم يكن في سلوك صديقي عزت - الحفيد بالطبع- ما يشير إلى أنه ينتمي إلى هذه الأسرة الكبيرة - كما يفعل بعضهم من أبناء الأسر الميسورة والعريقة فقد كان بسيطاً في حديثه ومشربه وثيابه وعاداته كان يتصرف مثلما يفعل موظف عادي مثله في (قصر العدل).‏

منزل عزت الكبير‏

ثمة أمر آخر يلفت النظر في شأن هذا الرجل فقد كان يقطن في منزل كبير بابه الأول في زقاق البرغل المجاور تماماً لباب الجابية - الباب الحقيقي أو الجزء الجنوبي المتبقي منه، فقد كان هذا الباب في الأصل مؤلفاً من ثلاثة أجزاء وعنده يبدأ الشارع المستقيم الروماني، مدحت باشا حالياً - أما الباب الثاني، فإنه يفتح في طرف حي الشاغور قرب سوق القطن.‏

غرف المنزل خربة ومهجورة‏

وأخبرني عزت أن أكثر غرف هذا المنزل خربة ومهجورة وبقيت غرفتان وثلاث تصلح للإقامة أو العيش فيها، وقد احتل عزت إحداها وانفصلت والدته عن والده وأقامت في بيت صغير في حي «المزرعة» أما والده فإنه أنشأ لنفسه غرفة عالية في طرف المنزل مع المنافع يصعد إليها على درج حجري طويل.‏

صحون الطعام مع بنت الحان‏

كانت تتوسط باحة الدار الواسعة فسقية ماء يصل إليها الماء من طالع قريب - يوم كانت في دمشق طوالع، وعندما ألغيت هذه صارت الفسقية تملأ بماء الفيجة - وإذا يعود عزت بعد الظهر من وظيفته فإنه يضع صحون الطعام على كنار الفسقية مع قدح مع بنت الحان وجهاز راديو معه آلة تسجيل جاهزة دائماً للعمل.‏

تسجيل الحوار مع الحاوي‏

ذات يوم فيما كان عزت يتناول طعام الغداء وقد فتح راديو على إحدى المحطات سمع حواراً يدور بين المذيع وأحد الحواة سأله المذيع: ماذا يقول عندما يريد إخراج أفعى من جحرها؟ أخذ الحاوي يتحدث عما يقوله لجعل الحية تغادر وكرها ذاكراً بعض أسماء الإناث من البشر.‏

شيء.. هبط من السقف‏

ههنا ضغط عزت على زر التسجيل، لحفظ ما يقوله الحاوي على الشريط وبعد أيام قليلة خطر له أن يستعيد كلمات ذلك الحاوي فما إن وصل التسجيل إلى مناداة الأفعى بأسماء الإناث من البشر حتى سمع صوت شيء وراءه التفت فإذا أفعى ضخمة (حنش) هبطت من إفريز السقف المطل على أرض الدار.‏

هرب إلى بيت أمه‏

ترك عزت كل شيء على حاله فوق كنار الفسقية العريض، وغادر المنزل وقد ولى هارباً نحو بيت والدته هناك أمضى أياماً عديدة كنت أسأله خلالها حين نلتقي في «بار فريدي» في شارع العابد عما إذا كان الوقت قد حان ليعود إلى منزله فيقول لي:‏

مازال الوقت باكراً.‏

عزت على مائدة الصواف‏

ذات مساء، كنت جالساً إلى مائدة الصيدلي خيري الصواف في «بارفريدي» ودخل عزت فحيّا وهنا أقمت تعارفاً بينه وبين خيري فابتسم ملاطفاً وقال وهو يشير إلى البزة الجديدة الفاخرة التي يرتديها خيري:‏

«لا تروح هيك وهيك، بدلة الأستاذ بتدل أنه أقوى منا».‏

هكذا كانت دعابات عزت العابد وكان يرسلها ببساطة فتبدو عفو الخاطر.‏

وشارك في حرب تشرين‏

ومن حقه أخيراً أن نشير إلى أنه شارك في حرب تشرين المجيدة سنة 1973 وكان برتبة ملازم أول احتياط..‏

ولكن ما إن هدأت نيران القتال قليلاً حتى عاد يسرق بعض الوقت إلى «بار فريدي» على أن يعود بعد ساعة تقريباً إلى قطعته المقاتلة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية