تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ركام

آراء
الخميس 5-7-2012
ديب علي حسن

قبل عشر سنوات ونيف، وربما ربع قرن لا أدري فالزمن لا يهم الآن لأن الحدث مستمر بألوان وأشكال أخرى لكن الذي حدث كان دلالة على أن القادم لا يبشر بخير أبداً.

أستاذ جامعي وأمامه طالب يراجع ورقته الامتحانية بعد الموافقات المرهقة... الأستاذ القادم إلى حيث يجب أن يكون أستاذاً يباشر الطالب بالحديث، لماذا تظن أنك مظلوم؟!‏

آه... لأنني كتبت بشكل جيد واعتمدت على المراجع والمصادر التي تعنى بهذا الموضوع، وقد أثريت الإجابات بالأدلة والشواهد... ويمكن أن ترى ذلك.‏

لكن الصمت المستمر لثوانٍ انكسر أمام جواب مباغت غير متوقع أبداً... ومن الذي قال لك إن المطلوب من خارج المقرر...؟ أليس لديك كتاب جامعي ...؟ ماالذي أدراني أن مراجعك ومصادرك صحيحة؟‏

كانت هذه البداية... بداية من آلاف البدايات التي جعلت طلابنا آلات صماء،عمياء، لا يهم إلا أن تختزن ما يملى عليك أو ما في الكتاب المدرسي، أو الجامعي، لا خروج عن الخط وبذلك تحقق أعلى المعدلات في الثانوية، في الجامعة وتدخل إلى حيث تريد.‏

هل نحن الآن خارج إطار هذا الحال..؟!‏

لماذا تحولت مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا إلى مصنع تسجيل لا مدارس ومراكز وجامعات إبداع..؟‏

لم تعد قاعات المحاضرات والمكتبات الجامعية مكاناً للبحث والدراسة والإبداع... أعطوني اسم كلية بدءاً من الآداب مروراً.... تقيم نشاطاً ثقافياً أو بحثياً مهماً.‏

هل تذكرون كيف كان الأستاذ الجامعي مركز دراسات وأبحاث متحرك... كيف كانت المكتبات العامة والخاصة تضج بالطلاب الباحثين عن كتاب هنا ومرجع هناك..؟!‏

حلقات بحث حقيقية وطلاب حقيقيون وأساتذة جامعيون ينشرون دراسات وأبحاثاً جديدة يثيرون حراكاً علمياً حقيقاً... أين أصبح ذلك كله..؟!‏

بالتأكيد يبدأ الأمر من المنزل، فالأسرة المشغولة بهموم الحياة ومشاغلها وبحثاً عن رغيف الحياة لم يعد يهمها أن تكون المكتبة المنزلية ركناً أساسياً في البيت، ومع أن غالب الآباء والأمهات ليسوا أميين، فإن الأبناء افتقدوا مشهد رؤية أحدهم يمسك كتاباً أو صحيفة، افتقدوا نصيحة أن يطالعوا هذا الكتاب أو ذاك... الكل متسمر أمام شاشة التلفاز أو ألعاب الحاسوب.. وفي المدرسة ليس الحال بأُفضل مكتبات مدرسية لم تعد تحمل من اسمها شيئاً تحول أمين المكتبة إلى خازن كتب مدرسية، وناسخ للأسئلة الامتحانية، ورفوف الكتب علاها الغبار وانكفأت قائمة الكتب الجديدة... وفي المدرسة لا يهم المدرس أو الطالب إلا أن يكون الحفظ الصم المقياس للوصول إلى أعلى الدرجات.‏

هل نذهب أبعد من ذلك... هل نسأل بعد لماذا تضيع أجيالنا، وتهدر الإمكانات التي توفرها الدولة لأبنائنا..‏

لماذا لم يثمر نظامنا التربوي كما يجب؟‏

أعيدوا للعلم مكانته، أعيدوا للمدارس دورها... أعيدوا للمدرس مكانته، للأستاذ الجامعي موسوعيته، مع تخصصة أعيدوا للكتاب مكانته، وهي الأذل لدينا.... هل تعاد هذه الأشياء بأوامر...؟ بالتأكيد لا... الاستراتيجيات التربوية والتعليمية والثقافية والحقيقية كفيلة بذلك، وليس بين ليلة وضحاهاأبداً.... ليتواضع من يهمهم الأمر ويلتقوا لبحث ذلك(وزارة التربية/ الثقافة/ التعليم... ومن معهم)‏

حصادنا مر، وفيه زؤان كثير، لا تتركوا حقول المستقبل تملأ بالأشواك...‏

كم يحز في نفسي أن أسمع صوت يافعة تقول لأمها لا أريد أن أزور بيت... لأنه مكتبة كبيرة.. لا أحب الكتب ... أريد أن أتسلى... نعم ليس هذا حالها وحدها معها جيل كامل إلا ما ندر.... هل نفعل شيئاً هل نتحرك، قبل أن يصبح الكتاب والأجيال مجرد ركام... صحيح أن الكتاب. قد صار ركام ورق ولكن ماذا عن الأجيال..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية