تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة في حدث .. العنجهية الأميركية

آراء
الخميس 5-7-2012
د. اسكندر لوقا

إبان انتصار الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية في العام 1945 عقبت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية على حدث الانتصار بالقول: إن الأسطول الأميركي سيبقى، بعد اليوم، عصا أميركا الغليظة التي تلوح بها في وجه دول البحر الأبيض المتوسط وإن هذا البحر قد تحول عملياً إلى «بحيرة» أميركية!

في اليوم التالي فسرت وكالات الأنباء العالمية هذا القول بأن الولايات المتحدة الأميركية تسعى لأن تكون بديلاً عن الامبراطورية الرومانية التي أخضعت بلدان المنطقة وأصبحت تشير إلى البحر الأبيض المتوسط بقولها: «البحر بحرنا».‏‏

ولم تتراجع الولايات المتحدة الأميركية منذ ذلك التاريخ، لم تتراجع عن ترتيب أوراقها، الاستراتيجية والعسكرية على حد سواء، بغية تحقيق هذه النية، بل وغدت في أكثر من مناسبة البديل الحقيقي عن الامبراطورية الرومانية البائدة، ما حفز دولاً أخرى على ترتيب أوراقها وشرعت تخوض التجربة ذاتها وحققت نجاحاً في هذا المضمار.‏‏

وحين رفعت سورية ذات يوم شعار ليكن البحر الأبيض المتوسط فضاء لطيور النورس، ثم عادت ورفعت شعار جعل البحر الأبيض المتوسط بحر سلام لا بحر تكالب على تحقيق المصالح ضد شعوب البلدان المطلة عليه، لم تكن غافلة عن نيات الدول الطامحة في ثروات المنطقة عموماً، والبلدان المطلة مباشرة على شواطئ البحر تحديداً، ومن هنا واجه ولا يزال أبناء هذه الشعوب يواجهون الكوارث التي يسجل التاريخ المعاصر فصولها، وفي العديد من سطورها يشتم رائحة الدم المراق الذي يذكر بقول الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي بشرنا عقب توقيعه اتفاقية كامب ديفيد إنه إذا لم تنه سورية حصراً صراعها مع الكيان الصهيوني فسيأتي يوم وتسيل فيه الدماء فوق شوارع دمشق.‏‏

إن وقفة أمام هذه الغريزة الاستعمارية التوسعية التي باتت شعار العنجهية الأميركية منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإلى يومنا هذا، باتت في الوقت نفسه محط اختبار مع تطلعات روسيا الاتحادية إلى اتخاذ مكانها في المياه الإقليمية في عمق البحر الأبيض المتوسط، ما يشير إلى مرحلة انحسار معالم قوة القطب الأوحد من على وجه البحر الذي لم يعد، عملياً، تنطبق عليه المقولة الأميركية البحر بحرنا على نحو ما أشرت.‏‏

وفي سياق سقوط هذه المقولة، وبالتالي في سياق غرقها في جوف مياه البحر الأبيض المتوسط، بدأت بشائر اندلاع حرب عالمية ثالثة في المنطقة، بدأت تنحسر يوماً بعد آخر، ذلك بسبب من ظهور بوادر توازن القوى بين الأقوياء في عصر ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً في السنوات القليلة الماضية مع بداية العقد الأول من القرن الحالي. ولهذا الاعتبار يمكننا القول إن مخيلة الإدارات الأميركية أن هذا القرن سيكون قرناً أميركياً بامتياز بات موضع شك وبالبراهين iskandarlouka@yahoo.com ">الدامغة.‏‏

iskandarlouka@yahoo.com ‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية