تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(ذكرياتي) لسميحة أيوب: إلكترا في القاهرة

كتب
الاربعاء 27/2/2008
أنور محمد

ما بين العربية الفصحى و العامية المصرية, تبوح سيِّدة المسرح العربي (سميحة أيوب) بكثيرٍ من الأسرار التي تسميها(ذكرياتي), إذ تقول: إنَّ مَنْ كان وراء قبولها في معهد التمثيل يوم كان عمرها أربعة عشرَ عاماً هو جورج بيك أبيض,

و محمد صلاح الدين باشا وزير خارجية مصر, اللذين كانا عضوين في لجنة فحص القبول. ولم يمض وقتٌ حتى جاء الأستاذ زكي طليمات, و طلب من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بالاستعداد لتقديم مسرحية(البخيل) لموليير, و كانت هذه أوَّل مرَّةٍ تقف فيها على خشبة المسرح, رغم الخوف و التوتُّر و الهلعِ من الفشل; إلى جانب سعيد أبو بكر, شكري سرحان, عمر الحريري, فريد شوقي, عدلي كاسب, علي الزرقاني, نعيمة وصفي, فاتن حمامة.‏

ثمَّ كان بعد ذلك فيلمها الأوَّل(المتشرِّدة) ,بعد أن رفضها (محمد عبد الوهاب) لتقوم بتأدية دورٍ في مسرحيةٍ غنائية قائلاً عنها : (دي مفعوصة.. البطل هيحب فيها إيه). و قد كان أجرها عن هذا الدور في الفيلم ثلاثون جنيهاً, وقفت فيه إلى جانب محسن سرحان الذي كانت تمثِّل معه دور الأخت الصغيرة , لتصبح بعد ذلك زوجةً له رغماً عن رفض والدتها و خاِلها لمثل هذا الزواج غير المتكافئ; حيث هدَّدتهما بأنَّها ستهرب معه, فكان أن كافأها محسن سرحان و بعد أسبوعٍ واحدٍ من زواجهما بقفل باب الشقَّة عليها عند خروجه من المنزل, و طلب منها الانقطاع عن الدراسة, فهو يريدها (ست بيت). لم يطل زواجهما هذا رغم أنَّها حملت منه ولداً فكان الطلاق بناء على رغبتها, و تزوَّجت بعده من الممثِّل(محمود مرسي) ثمَّ طلَّقته, و تزوَّجت من الكاتب المسرحي(سعد الدين وهبة), الذي وقفت على خشبة المسرح لتمثِّل أوَّل دورٍ لها في مسرحية له(كوبري الناموس) ,التي حقَّقت نجاحاً جماهيرياً, فشاهدها الروائي الطيب صالح, وأُعجب بها, و كان وقتها يشغل مدير قسم الدراما في إذاعة (c.b.b) فأرسل لها عبد المنعم سليم لتذهب إلى لندن و تسجِّل جميع المسرحيات اليونانية لصالح مكتبة الإذاعة البريطانية. ثمَّ تتالت نجاحاتها المسرحية, و في صباح عيد المعلِّم 1964 كرَّمها الرئيس جمال عبد الناصر, فمنحها وسام الجمهورية مع كامل الشناوي و صلاح جاهين. ولم يمضِ على التكريم وقتٌ حتى حصلت مذبحة الأدباء و الصحفيين, التي تمَّ فيها تسريح (62) اثنان وستون منهم, بالإضافة إلى إجراء تنقلاتٍ لهم, كنوعٍ من أنواع العقوبة لذنبٍ لايعرفون عنه شيئاً, و كان من بينهم : أحمد عباس صالح,عبد الرحمن الشرقاوي, نعمان عاشور, سعد الدين وهبة, يوسف إدريس; وعلى رأسهم د- طه حسين. فثارَ الكتَّابُ و غضبوا لكرامتهم و لكنَّ لا أحد يسمع.‏

حصلت هزيمة حزيران, و في عام 1968 قام الطلبة بمظاهرات في أنحاء الجمهورية يطالبون بمحاكمة المسؤولين عنها- تقول سميحة أيوب: فانقبض قلبي و طلبتُ سعد الدين وهبة في المكتب فقيل لي: عنده اجتماعٌ مهم. لتتفاجأ و قد اخترقت صدره رصاصةٌ حين كان يقف و إلى جانبه الكاتب محفوظ عبد الرحمن في شرفة الهيئة العامة للكتاب. لكنَّها كانت(سليمة), فتمَّ نزعها بعمليةٍ جراحية.‏

لم يمضِ وقتٌ على الحادثة حتى قرَّر المسرح القومي إنتاج مسرحية(الذباب) لسارتر, أخرجها سعد أردش. و بعد مضي قرابة السنة و نصف السنة على الانتهاء من عرضها, إذا بإدارة المسرح تبلِّغُ سميحة أيوب بأنَّ (جان بول سارتر) و (سيمون دي بوفوار) في الطريق إلى القاهرة, ليشاهدوا عرض مسرحية(الذباب) فتمَّ إعادة البروفات عليها, و كان يوم تقديمها,.. فإذا الصالة مكتظَّة بالمثقَّفين و المسؤولين و الصحفيين, و لا موضع لقدم. و بعد أن انتهى العرض إذا بسارتر و سيمون دي بوفوار ومعهما توفيق الحكيم يصعدون خشبة المسرح فيقبِّلها(سارتر) و يقول لها: أخيراً وجدتُ الكترا في القاهرة.‏

سميحة أيوب في كتابها تروي ذكرياتٍ فيها أكثر من رواية , وأكثر من مسرحية كانت هي بطلتها, خاصَّةً في الجانب الذي يتعلَّقُ بحياتها مع (سعد الدين وهبة) الكاتب المسرحي, و الزوج, والصديقُ الذي كان من أكثر المدافعين عن عروبة مصر, و الذي شكَّل موته صدمةً كبيرة ً لسميحة أيوب; فهو بالنسبة لها ضميرُ مصر الحيِّ في الثقافة والوطنية والنضال,مثلما هو ضمير المثقَّفين العرب الذين يقفون ضدَّ كلِّ عمليات القمع و التطبيع مع إسرائيل.‏

صادر عن دار الحكمة/الجزائر العاصمة‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية