تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


« إذ يختفي الزمن »

معاً على الطريق
الخميس 27-12-2012
لينا كيلاني

الزمان والمكان حقيقتان لا تنفصلان.. فما من زمن دون المكان، وما من مكان خارج الزمان.. ولطالما تحدثت نظرية آينشتاين النسبية عن تلك العلاقة الجدلية بين هذين الحيزين. حقائق علمية هي من المسلمات أو البديهيات التي لا تحتمل السؤال أو الجواب،

لكن تطور علوم الفيزياء في العصر الحديث ما يجعلنا نقف بدهشة أمام ما نرى أو نسمع غير مصدقين أن هذا فعلاً ما قد يحدث.‏

أسمع أخباراً.. وقد أطلع على أبحاث حديثة.. ثم أعود لأفتح كتاب السحر والخيال (ألف ليلة وليلة).. فأقرأ عن (طاقية الإخفاء).. وأتساءل عن مصدر فكرة الإخفاء هذه فتفاجئني مجلة علمية للفيزياء الحديثة بما يثير الاهتمام.. وهي تتحدث بالعلم والأرقام عن تجربة لاختفاء الزمان.‏

وأي زمان هذا الذي يمكن أن يختفي بل في أي مكان؟ هل تنقلب الحقائق؟ بالطبع لا.. فالتجربة كما يقول علماء الفيزياء تجعل حدثاً ما غير قابل للرصد لجزء من الثانية.. يا للعجب العجاب!!.. كيف يكون هذا؟ أو هل هذا من كلام المنطق والمعقول؟ أتساءل.. لكن هذا ما وصل اليه العلماء بالفعل لا بالقول أو بشطحات الخيال.. وأنه رداء أشبه ما يكون (بطاقية الإخفاء).‏

والمبدأ قائم في الإخفاء لكن التقنية تختلف بين أن يختفي شيء ما في مكان ما، وبين أن يقوم جهاز الإخفاء بحجب هذا الشيء عن الأنظار لجزء من الثانية في زمن مرصود، هكذا تقول الأبحاث في هذا المجال. فهل نحن أمام الخطوة الأولى نحو تطوير رداء (زمكاني) أي زماني مكاني أكثر شمولاً خاصة إذا ما عرفنا أن مبدأ هذا الإخفاء إنما يعتمد على خصائص الطيف الضوئي المرئي، وألوانه المختلفة، وهي تتنقل بسرعات متغايرة. ببساطة إن هذه التجربة تعتمد على الفروقات في الألوان والسرعات، وإذا ما تم التحكم بها حسب قوانين الفيزياء استطعنا أن نخلق ما يمكن تسميته بالثغرة الزمانية.. وببساطة أكثر فالأمر حسبما يقول أحد العلماء أشبه ما يكون بالفجوة المرورية عندما تتوقف حركة السير إذا ما تقاطع خط السير هذا مع سكة قطار قادم. لكن المراقب للطريق عن بعد لا يلحظ فجوة المرور بل تبدو له حركة السير طبيعية.. وهكذا تتشكل الثغرة الزمانية من خلال ألوان الطيف المرئية وغير المرئية.‏

يقولون ـ أي العلماء ـ إنه يمكن الاستفادة من اختفاء الزمن في أمن وسائل الاتصال مما يصعب معه اختراقها، فتجزئة الإشارات الضوئية، وجعلها تنتقل بسرعات متباينة قبل إعادة جمعها يضمن أمن المعلومات في تطور لافت للعلم، ولتكنولوجيا مستقبلية لن تغيب عنها الغايات العسكرية.‏

ويقولون أيضاً إنهم قد استوحوا الفكرة من ذلك الرداء الشهير الذي ورد في الكتاب الأكثر شهرة (هاري بوتر)، وكأن ثغرتهم الزمانية هذه التي عثروا عليها حديثاً قد ابتلعت في أول تطبيق عملي لها فكرة الإخفاء السباقة في (طاقية الإخفاء) من (ألف ليلة وليلة).. تلك الليالي من الخيال الخارق في إبداعه وصوره الملونة بألف لون ولون، وكم فتقت من مساحات للفكر والإبداع في الغرب قبل الشرق.‏

تجربة هي مبهرة بحق.. وثمينة مثل كل ثمار العلم.. لكن ما تفعله البشرية اليوم من حروب وصدامات فيما بينها، وما يظهر على ساحة الحوار من اختلافات في الرؤى والآراء ما نحتاج معه الى رداء للإخفاء بمساحة الكرة الأرضية يغيّب أو تغيب معه مراحل من الأيام لم تكن فيها البشرية على وئام.‏

لعل العلماء إذ يستمرون في تطوير تجاربهم يسعون الى معرفة كيفية زيادة ثغراتهم الزمنية بما يكفي لتبتلع حدثاً.‏

وها نحن نقف على أعتاب الثغرات الزمنية فهل سيكون بمقدورنا إخفاء الأخطاء.. أم إننا بحاجة الى ثقوب سوداء تبتلع أزماناً بأكملها جار فيها الإنسان على أخيه الإنسان؟.. يظل السؤال معلقاً بينما العلم يتسارع في خطوات لم تكن في الحسبان.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية