|
الافتتاحيــة اللافت أن تلك التخمينات يستوي فيها المتفائلون بمهمة الإبراهيمي والمتشائمون، رغم الفوارق في المنبت، والاختلاف في التوجه، فتتقاطع في بعض زواياها النيات الحسنة كما السيئة، في محاكاة لافتراض لا يزال يحكم رؤية الكثيرين ويقودهم إلى مغالطات واضحة وصريحة في المقاربات التي يحاول البعض عبرها اصطناع عناوين غير دقيقة لمحطة دمشق. وإذا كان مفهوماً أبعاد وخفايا التسريبات التي تقودها أجندات فضحت سياقها وتجاوزت الحيّز الذي اختلقته منذ بداية الأزمة، وأضافت عليه، فإنه يبدو ملتبساً ذلك الموقف الذي تسجله بعض المواقف حين تنجر إلى التسليم بما ينضح من إناء تلك الأطراف. فالإبراهيمي وما حمله اصطدم منذ البداية بالتهويل والبناء على التخمينات كجزء من ترتيبات الحبكة، فيما كان القليل الذي تسرب من لقاءاته، بالكاد يعطي انطباعات عامة وغير محددة، وبالتالي من الخطأ السياسي الارتهان لها لبناء الاستنتاجات التي جاءت في معظمها متسرعة وغير مدركة لأبعاد الخصوصية التي تحدد بدقة حيز التحرك ومفاهيم أي طرح، وحتى المفردات المستخدمة فيه. وعليه تجول الاصطفافات غرباً وشرقاً، فيما تتلاقى على المقطع ذاته التخمينات المتبادلة، وكأنها اشتقت من صنف واحد لم يتبدل، أو اجتزأت من مشهد واحد لم يتعدل. ما يحتاج إلى توقف أبعد مما يثار على كثرته، وما يتطلب بعض التمعن في حيثياته أخطر مما يطفو على سطحه، رغم فداحته، فهذا الانجراف يرمي بأوراقه الكثيرة في جعبة الإبراهيمي. فبعد ان استُبقت زيارة الإبراهيمي بسيل من التكهنات الكاذبة والتي اختفت من التداول بعد أن نفاها جملة وتفصيلاً، تعود التخمينات اللاحقة إلى الحضور مسلحة ببعض التسريبات المحمّلة على أسباب تمديد زيارته لدمشق، ويذهب الشطط بالبعض إلى رسم صورة لتفاصيل تحاكي أمانيه وتستعيد جزءاً من أوهامه، لكن النفخ في رماد النار التي أججها يعيد التشويش والضبابية على المهمة تحت عناوين جديدة وسياقات مختلفة. كل هذا يدفع إلى التذكير أن محطة دمشق ليست كسائر المحطات وما يبنى خارجها لا يجوز ولا يصحّ أن يكون مشابهاً أو مساوياً بأي شكل من الأشكال لما هو داخلها، وأن الاعتبارات التي تحكم القادمين إليها والمقيمين فيها تختلف بالمطلق عما يحكم حسابات ومزاجيات وتقولات من يقف خارج أسوارها. فالحيّز الفاصل بين المسموح فيها والمتاح خارجها يشكل السقف الذي يستظل به كل من يفكر في العمل السياسي والدبلوماسي، ومن يسكت على ما يسرب من خارجها لا يمكن له أن يهضم الأفكار والمداولات داخلها، وما يحتمل التأجيل والتسويف والانتظار لبعض الوقت هناك، يصبح هنا ممنوعاً وغير متاح ولا مباح. الإبراهيمي القادم في فرصة أخيرة أو أولى أو عاشرة، يستطيع أن يصمت ما يشاء لكن من غير المسموح أن يتبرم من التقولات الخارجة للتو من بعض الحقائب الملحقة به أو التي تجري خلف الكواليس الجانبية المحيطة به، وهي تشي بتقولات تدفع بالأصوات إلى أن ترفع من نبرتها مطالبة بالتوضيح وحتى بالتفسير!! انتظارنا لبعض الوقت كان محكوماً باعتبارات صمته المؤجل، على أمل أن يوافينا بما استطاع أن ينتزعه من تعهدات بالعمل الحثيث للعودة بمفاتيح تقفل على من يستقوي بالإرهاب وأدواته ورعاته. اليوم، يبدو الأمر مستعصياً على الانتظار، حيث الحاجة تُملي الاستجابة لكثير مما تم طرحه، وفي المقدمة انتزاع الالتزام ليس من مرتزقة وإرهابيين، بل من دول وأطراف لا تزال تواصل النفخ في الرماد، بحثاً عن شرارة هنا أو بصيص نار هناك، والوقت -كما لمسه الإبراهيمي- ليس في صالح من ينفخ ولا في مصلحة من يحرك الرماد حتى لو تحجج، إذ لا احتضان ولا حصانة لمن يلعب على الوقت لذر الرماد في العيون. |
|