تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ديمقراطية غنية عن التعريف!

ترجمة
الأربعاء 26-8-2009م
ترجمة: ليندا سكوتي

ارتسمت تعابير الدهشة والاستغراب على محيا الجندي الإسرائيلي الذي يقف على نقطة تفتيش قلندية عندما شاهد سيارة تحمل لوحة اسرائيلية تزمع العبور بركابها الى داخل أراضي السلطة الفلسطينية،

وسمح لها بالمرور دون ان يطلب الاطلاع على أي وثيقة أو إذن بالدخول. ولم تمض سوى دقائق معدودات حتى أصبحنا في وسط مدينة رام الله (التي تعتبر عاصمة للسلطة الوطنية الفلسطينية)، والجندي في الواقع عندما تصرف على هذا النحو كان على ثقة ودراية تامتين بعدم وجود ما يدعو للخوف والقلق، لأننا في الوقت الحاضر أصبحنا على قناعة أن شواطئ تل ابيب ليست أكثر أمنا من مدن الضفة الغربية (ذلك ما أكدته الإحصاءات الصادرة عن مكتب رئيس الحكومة التي أشارت الى أن عدد الإسرائيليين الذين قتلوا في اسرائيل في الشهر الماضي يفوق عدد الاسرائيليين الذين قتلوا في الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية منذ كانون الثاني عام 2007) ذلك لأن الأمن في الأراضي التي يطلق عليها “يهودا والسامرة” قد أوكل الى جهات غير يهودية مثل الشرطة العربية التي تنفذ التعليمات التي تردها من الجهات الأمريكية وتتلقى التمويل من الاوروبيين.‏

قبل التوصل إلى اتفاقية اوسلو كثرت العمليات الانتحارية على مدى عدة سنوات، لكنه على الرغم من حدوث تراجع في تلك العمليات في الوقت الذي ازداد به عدد المستوطنين من10 آلاف عند التوقيع على اتفاقية اوسلو (التي نصت على نزع السلاح من الفلسطينيين، وتم التوقيع عليها في 2003) إلى 300ألف حاليا، فما زالت كلمة الإرهاب تقض مضاجعنا وتسبب لنا الخوف والهلع. مع العلم أنه في ذروة الحملة التي خضناها على الفلسطينيين في غزة كانت رام الله الأكثر أمانا في سائر المنطقة. لكننا اتخذنا من أحداث غزة مبررا للقول بعدم الانسحاب من الضفة الغربية تحسبا لما قد يحدث بها من أمور على غرار ما حصل في غزة.‏

إن ما نشهده من هدوء على الحدود الشرقية لإسرائيل، وما استطاع رئيس الحكومة الفلسطينية تحقيقه من أمن في مدن تم إجلاء قوات الدفاع الإسرائيلي منها، قد أكد لنا وأعطانا دليلا غير قابل لجهالة أن قيام الدولة الفلسطينية ليس بالضرورة سيكون مرتبطا بحدوث الإرهاب.‏

من الملاحظ أنه بعد مضي تسع سنوات على انتفاضة الأقصى، وخمس سنوات على وفاة ياسر عرفات، ما زالت القيادة الفلسطينية تنتظر من الإسرائيليين تحركاً نحو تحقيق السلام الذي نصت عليه الاتفاقية، كما أن المؤتمر السادس لفتح قد أقر الحل السياسي الذي يقوم على إنشاء دولتين ضمن حدود عام 1967. وعلى الرغم من مرور ستة عشر عاماً على العملية الدبلوماسية التي لم تفض سوى الى نتائج لا تستحق الذكر فما زالت العودة الى الكفاح المسلح من الأمور المستبعدة. ذلك لأن القيادة الفلسطينية وعدداً من الدول العربية قد ابدوا تفهمهم للمخاوف الإسرائيلية. وبذلك فإن جيراننا الفلسطينيين سيكونون أقل خطرا وتسليحا من جيراننا في الجبهة الشرقية.‏

أكدت الحوارات والمناقشات التي دارت في مؤتمر فتح أن الدولة الفلسطينية العتيدة ستحقق الديمقراطية ولن يقلل من اهمية هذا القول ما صرح به أحمد قريع من حدوث مخالفات للقواعد والأصول في انتخاب قادة المنظمة، إذ لو أراد الاطلاع على واقع ديمقراطية الانتخابات في اسرائيل فما عليه سوى تقصي ما حدث مع عامي ايالون في الانتخابات الاولية لحزب العمل لاختيار مرشحيه. كما يمكن لإيلي يشاعي ان يخبره عن ديمقراطية الحاخام عوفاديا يوسف عندما شكل قائمة شاس للكنيست. أما ديمقراطية افيغدور ليبرمان قائد حزب اسرائيل بيتنا فهي غنية عن التعريف.‏

في معرض الحديث عن ليبرمان، ترامت إلينا اقوال بأن الدولة الفلسطينية ستسقط في براثن الفساد على مستوى القمة، ومن دواعي الاستغراب ان يصدر هذا الكلام في بلاد يدخل بها وزير المالية ووزير الرفاهية الى السجن، ويطول التحقيق والاتهام كلا من رئيسها السابق، ورئيس حكومتها، ووزير خارجيتها، ورئيس لجنة الدفاع والخارجية في الكنيست لديها، وكان عليها ان تأخذ بالمثل القائل “من كان بيته من زجاج فعليه ألا يرشق الناس بالحجارة”.‏

أما بالنسبة للفلسطينيين فإننا نجد أن الترتيبات التي وضعها فياض والمبادرات الاقتصادية التي أطلقها تؤكد لنا أن ما يعترينا من مخاوف وخشية من قيام فوضى تعم الدولة الفلسطينية على غرار ما يقع في الصومال تنقصه الدقة ويفتقر الى الموضوعية. وما يجدر ذكره، هو أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتفاخر بنمو الاقتصاد الفلسطيني، وأن صندوق النقد الدولي لديه القناعة التي تقول إن قيام اسرائيل بإزالة الحواجز الطرقية سيفضي الى النمو الاقتصادي الفلسطيني بنسبة ستتجاوز 8%.‏

إزاء هذا الواقع فإن الحجج والذرائع التي بين أيدينا أخذت تسقط واحدة إثر الأخرى، ولن يبقى ماثلا امامنا سوى الحقيقة. وقول نتنياهو إن (الفلسطينيين أعطونا ما نريد فإنهم سيحصلون على الكثير مما يرغبونه، وان لم يعطوا فلن يحصلوا على شيء) يعتمد على بقاء واستمرار المقاومة الفلسطينية التي تشكل له الذريعة بعدم القبول بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وفي مختلف الأحوال, فإن لم يضمن الرئيس الأمريكي باراك اوباما حصول الفلسطينيين على ما يستحقونه فإننا سنتلقى ما نستحقه جراء تشبثنا بآراء وأفكار لا طائل منها.‏

 بقلم: عكيفا الدار‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية