تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ازدواجيــة المعـــايير الأخـــلاقيــة

هآرتس
ترجمة
الأربعاء 26-8-2009م
ترجمة: ريما الرفاعي

الجنرال غابي اشكنازي الذي يعتبر المسؤول الاول في الجيش الاسرائيلي، كسر حاجز الصمت في الاسبوع الماضي وعبر عن حساسية عالية تجاه المسؤولين عن التنكيل بالجنود معلقا على قضية العميد عماد فارس .

ولكن في اليوم نفسه الذي نشرت فيه تصريحات رئيس هيئة الاركان تلك التي تفاخر فيها ب «المستوى القيمي» المرتفع لديه، نشر تقرير آخر لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» الامريكية وجاء فيه أن الجيش الاسرائيلي قتل في عملية «الرصاص المصهور» 11 مدنيا، ومن بينهم خمس نساء واربعة اطفال كانوا جميعا يرفعون الرايات البيض . هذا العمل الذي يعتبر جريمة حرب كان من الواجب ان يثير صدمة اكبر، الا اننا لم نسمع كلمة واحدة حول ذلك من رئيس هيئة الاركان الجنرال اشكنازي الذي يبدو انه يمتلك بضعة كيلوغرامات من التسامح في مثل هذه القضايا.‏

وقد رد الجيش الذي يقوده اشكنازي والذي دعا الى تمشيط كل فصيل ووحدة بمشط من الفولاذ ردا على الخازوق الذي نصبه الجنود ضد رفاقهم، الا أنه لم يحقق في قتل حملة الرايات البيض. وقد قام الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي العميد آفي بن ياهو بحملة وضيعة ضد منظمة «اكسروا الصمت» لأنها تجرأت وكشفت عن شهادات للجنود تقشعر لها الأبدان. وها هو الجيش الاسرائيلي يؤيد فجأة إجراء تحقيق في كل خيمة بين جنوده بسبب عملية الخازوق التي ينفذونها ضد بعضهم البعض. وطالب اشكنازي بمعاقبة من يزعجون جنوده، بينما يقوم جيشه بعرقلة أي امكانية لكشف الملابسات حول ارتكاب جرائم حرب.‏

بالفعل ، سوف تكون جبهتنا نقية وطاهرة لكن فقط ممن ينكلون بالجنود، وخالية فقط من الكذابين الصغار. وسيكون محظورا السماح لصبي بقيادة جرار زراعي صغير، لكنه سيكون مسموحا قتل الاطفال حملة الرايات البيض؟ ولابأس بالتفاهات الادارية الصغيرة حيث تمنع المرأة من قيادة السيارة ويمنع الابن من قيادة الجرار الزراعي الصغير وتمنع الخوازيق ضد الجنود الاغرار ،اما القتل المجاني فهو مسموح. هذه هي الرسالة التي يبلغنا بها اشكنازي .‏

اذا كان التنكيل بالجنود محظورا والتنكيل بالفلسطينيين مباحا، اذا فنحن أمام منظومتين قيميتين مختلفتين، والنتيجة هي ازدواجية في المعايير الاخلاقية والتجريد من الصفة الانسانية. عندما يقول اشكنازي ان الضباط يقيمون من خلال قدرتهم على أن يكونوا نموذجا يحتذى ، وهو طبعا يتحدث عن صغائر الامور والتي هي ورقة التوت الرائعة بالنسبة للجيش الاسرائيلي، التي تتيح له إثبات ان لديه قيما والتغطية على كل الشبهات بارتكاب جرائم حرب .‏

العميد فارس وكذلك العميد تشيكو تامير من قبله اخفقا في امور صغيرة. تامير في قضية الجرار الزراعي الصغير كان مشاركا في الماضي في اعمال اشد خطورة بما فيها القتل المجاني لمواطنين في جنين وغزة، الا ان احدا لم يفكر في تخفيض رتبته بسبب ذلك .‏

الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي ينشر في كل مرة بيانات رسمية لا تتفق دائما مع الوقائع على الارض . ولكن هذه مسألة يمكن ان نسامحه عليها. الرائد افيتال ريفوفتش ممثلة الناطق بلسان الجيش ظهرت في احدى المحطات الفضائية لتقول باللغة الانجليزية إن الجيش الاسرائيلي لا يطلق النار على الاطفال. فكيف قتل مئات الاطفال في عملية «الرصاص المصهور»؟ هل قتلوا بيد السماء؟ لم يحاسبها احد عن الدعاية الكاذبة التي طالعتنا بها. لم يولد بعد الضابط الذي أوقفت خدمته بسبب قتل عبثي لفلسطينيين في غزة، ولكن بسبب كذب لشركة اعتماد - نعم. هذه هي المعايير الاخلاقية للجيش الاكثر قيمية في العالم. ليس هناك جهاز آخر في اسرائيل يكثر من الحديث عن «القيم» ويقوم بهذا القدر من الاعمال غير القيمية الصارخة كما الجيش الاسرائيلي.‏

لقد ألصقت برئيس هيئة الاركان السابق دان حالوتس وصمة «الضربة الخفيفة في الجناح». ورغم ان الامر يعني قنبلة واحدة، ومع ذلك ادعى انهم لم يفهموه بصورة صحيحة. اشكنازي بقي نظيفا ولم تلتصق به أي شائبة ولا حتى بعد الهجمة المنفلتة على غزة والقتل الكبير للمدنيين بعدد لا يحصى من القنابل. الآن يمكن اعتباره رئيس هيئة اركان حساس بدرجة لا تقاس في الامور الاخلاقية. لقد شعر بالصدمة من المناشف المبتلة التي ضربت فيها ظهور الجنود .. يا للحساسية المفرطة !.‏

 بقلم: جدعون ليفي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية