|
شؤون سياسية وكما هو المتوقع كان الصوم ذريعة للهروب من الاستحقاق، وعندها فالصوم هو مجرد امتناع ميكانيكي عن الطعام والشراب، شكله شكل العبادة وحقيقته حقيقة العدوان على إرادة الله وشرعه. وفي الصوم فقهياً حقيقتان أولاهما أنه لله وهو الذي يجزي به، وثانيهما إنجاز الصوم في غاياته ومقاصده حتى لا يتحول إلى مجرد عادة أو طقس أو ادعاء، ومقاصد الصوم قائمة في الحق والقوة والجمال، في الصدق والعرف والصفاء، في الحب والخير والعطاء، ليس غريباً أن تجري عملية التوسل في رمضان، صدقاً أم تمويهاً أو كذباً، فالذين يريدون تشكيل وزارة استعصت حتى الآن يغتنمون رمضان فرصة للاستنجاد والتسريع، والذين يقتتلون ويحتربون حتى حدود سفك الدماء البريئة، يطرحون مناسبة الصوم فرصة للالتجاء نحو السلام، أو فاصلة لجمع محصول القتل من الجثث والدمار، أو هدنة لالتقاط الأنفاس، والاستراحة ما بين يومين، والعرب يسمون معاركهم بالأيام، والاستعداد لاستئناف المسيرة المشؤومة لقتل النفس التي حرم الله، ولتدمير ما تواعدت عليه الأجيال من تاريخ وحضارة وقيم، وحقائق، ويبقى رمضان قوياً مشعاً بذاته، ويبقى محاصراً ما بين هوس قاتل ورغبة مستغل محتكر، وهنا ما بين الخيارين تكمن الحقيقة، فإما أن يؤثر الصوم في البشر، يستنهض فيهم مكامن الحق والنزوع الإنساني، ويردع فيهم لوثة الشر ونزعات الحقد وشهوات الدنيا، وإما أن يؤثر البشر على الصوم ومشهده بما هم فيه من ضياع ونفاق وادعاء، وعندها يصبح الصوم مجرد وسيلة للتستر على الجريمة، وللظهور بمظهر الإيمان الخادع، والإشكالية الكبرى هي في التمييز بين اتجاهين، وفي فصل خيوط الحق عن الباطل، ونزع الزيف من مجرى الحقيقة، والأدهى الأخطر هو أن يحدث الصوم والصائم مقتنع بأنه يؤدي فريضة، ويقيم شعيرة، وهو سادر في غيه غارق حتى حدود العصب والجارحة واللسان في الجريمة المنظمة، التي تطحن البشر حينما تستبيح دماءهم، وتحتقر المجموع حينما تستبيح كرامته، عبر الاحتكار والجشع، والرغبة النهمة في تكديس المال الحرام من المصادر الحرام، في الشهر الحرام، المسألة أزمة، بكل معاني الوصف، والتأثير هي أزمة، وأخطر ما فيها أنها أزمة أخلاقية، أزمة وجدانات تبلدت وضمائر استغوتها الجريمة، فكان القتل والاستغلال والجشع هو المحرك من طرف وهو الجاذب من الطرف الآخر لأهواء الشر والأشرار رغم أنهم يدعون الصيام، ويفعلون ما لا يقولون، ويقولون ما لا يفعلون، «يا أيها الذين آمنوا، لِمَ تقولون مالا تفعلون؟ كَبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» وفي الواقع، وعلى اعتبار شهر الصوم وعند موعده تماماً تتخلق المظاهر القاتلة، والناس فيها منجذبون نحو المظهر، وهناك وسائل إعلام لا تكلُّ ولا تملُّ من نشر هذا المظهر بلا تدقيق ودون تحفظ، تحت بند العادات والتقاليد والأكاذيب الأخرى، لننظر كيف يتم التركيز في رمضان على احتفالية الاستعداد للشهر المقدس باعتباره هائجاً مفترساً، ها هي الأسواق تمتلئ بالبضائع، أين كانت ومن أين جاءت، ليس ذلك مهماً فالأهم هو البيع الحرام والشراء الحلال، والساحات تغص بما رحبت، والأرصفة مشغولة، وجنود من أصحاب النفوس الضعيفة مجندة للتسويق والترويج، وقد لا نعترض على ذلك، وهل نملك أصلاً حقَّ الاعتراض على جنون الاستهلاك والربح الفاحش والاستغلال العلني، والسياسات تلعب لعبتها، وتجري بقصد ورصد حقيقة الصوم والإنسان غائبة مغيبة، رمضان منذ بدر إلى تشرين كان موعد الجهاد والانتصار، وأروع ما في الصوم هو التنبه إلى هذا المعنى، حيث قهر النفس المشتهية والمنفلتة، وإعطاء الفرصة للذات القادرة الصابرة، لكي تقهر الجوع ولا تحتفل به، ولكي تستمد المعنى في صفاء الذمة، والاندماج مع الآخر والرجوع عن المال للإنسان وعن الاحتفال لكرامة الأوطان. ها هو رمضان الوعد والموعد كما شاءه الله ينأى عن واقع العرب والمسلمين، وكم هي الخسارة فادحة ومؤلمة، حينما نطوح بالصوم ونلقي به في حارات الادعاء والاستعداد للانقضاض على الشهوات، والصوم ليس مقطوعاً عن موجباته، وليس محجوزاً عن مقاصده والأمة الآثمة هي التي تقطع الصيام وتقاطعه، فيبدو وكأنه مجرد امتثال ميكانيكي لإنتاج مظاهر وعادات وغرائب وعجائب، إن وطننا في صومنا، وحقوقنا في صومنا، وكرامتنا في صومنا، فمن ذا الذي أجرى هذه العادة وفك الارتباط ما بين الصيام والوطن والمساواة والكرامة؟ وأيُّ صوم هذا التاجر جشع والمسؤول الفاسد يدعمه!؟، وكيف لنا أن نتعايش عرباً ومسلمين مع خطاب أجوف وأعجف، يسحب من التداول في الشهر الحرام، فلسطين والجولان وغزة والأمان، رمضان بسيط للغاية، عميق للغاية والأشهر لأن على جوهره هو في بساطة المظهر، وتبلور المقصد، تعالوا نحسب ونتحاسب لنكتشف أن الكثيرين هم أعداء الله والإنسان، وهم يتظاهرون بالقيام والصيام. |
|