|
ثقافة فيبدأ بنقطة هامة هي: كي نتحاور يجب أن نعرف من نحن ومن هو الآخر، وهذا الحوار هو الذي يحقق في بعده العريض العالم الذي ينتجه البشر كي يعيشوا فيه، فثمة نزوع فطري لديهم للتبادل، وليس العرب طرفا خارج هذا العالم فهم يتمثلون بذاتية ثقافية تاريخية قادرة على الاستمرار في الحوار منذ بداية التاريخ. الحوار لا الدمار الحوار الثقافي كما عرفه د. بهنسي في كتابه الهوية الثقافية بين العالمية والعولمة يعيد العلاقات البشرية إلى إنسانيتها كما أنه يعيد الحضارات إلى أهدافها ويمكن أن يكون مؤشرا لأي حوار سياسي واقتصادي أما الوجه غير الحضاري فيمثل قصة الاستيلاء والاستلاب والهيمنة والتدمير تحت عنوان التقدم والانتصار، ولمن يرى أن الشرق شرق والغرب غرب ولا يمكن أن يلتقيا يبين الكاتب أن ثمة حواراً معرفيا بين الشرق والغرب بدأه الرحالة والجغرافيون والمكتشفون من الطرفين منذ القديم وتبلور في اتجاهين اتجاه استشراق، واتجاه التمغرب ولكن هدفهما واحد هو تحقيق المثاقفة أو التعارف الذي يحفف من حدة الصراع. مخاطر العولمة وهذا الصراع هو أحد مخاطر العولمة والذي يجب إنقاذ العالم من مآلها، أي الصراع الذي لامناص منه وتصحيح مسار النظام العالمي الجديد اتجاه الحوار وخاصة في مجال الاقتصاد الذي يؤدي الخلل في توازنه إلى الظلم ما يؤجج هذا الصراع، وهو مآل العولمة أو الأمركة التي تختلف عن العولمة الأوروبية، فالأمركة العولمية ظاهرة مكشوفة لكن الأخرى مازالت تخفي طموحاتها السياسية العالمية، أما أميركا فتملك المنظمة الدولية ويبقى ترويجها لمبدأ العولمة قارب نجاة يخدع التقدميين الساعيين إلى الحوار والانفتاح على العالم والذي لم يفهم من قبل الغرب سوى بصيغة الصراع بين الحضارات ويقود الإسلام والعروبة الى الاتهام بالإرهاب والعنف والضلال الايديولوجي، وهو ما رسخه بعض الكتاب الغربيين الذي ينظرون إلى الشرق نظرة تعال محذرين من الحوار معه، ناهيك عن مسخ البعض للهويات الثقافية وإلغاء الحوار وتسويق الرأي الواحد ومنهم فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ» الصادر 1989 وهنتنغتون في كتابه» صدام الحضارات والإنسان» الأخير الصادر 1993 فهذان الكتابان هما أحد إفرازات العولمة، فيما بقينا نحن ندعو إلى العالمية ذات النزعة الإنسانية التنظمية والتي مازلنا نراها أكثر وضوحاً في الفن بوصفه لغة عالمية ناحجة لتحقيق أهداف الحوار بين الذاتيات الثقافية، فالعالمية وحدة في تنوع على عكس العولمة التي تدعو إلى سحق الهوية وحرقها في إطار إرغامي يدعي أنه يعمل على إنهاء الصراع بين إرادات العالم. الحداثة والمعاصرة ويلفت الكاتب إلى أن أبواب الشرق لم تكن مغلقة في يوم من الأيام أمام الباحثين عن ثقافته وفنونه وقد بدأ المتنورن من العرب بالحوار مع الغرب منذ بداية القرن التاسع عشر منهم رفاعة الطهطاوي الذي لخصه في كتابه «تخليص الابريز في تلخيص باريز» واستطاع فيه أن يلخص الثقافة والحضارة الأوروبية مبينا أن الشرق والغرب التقيا في عقلهما وقلبهما ولم يجحد للشرق سبقه في الارتقاء، وأعقبه حركة إصلاح أخذت الطابع التوفيقي بين السلفية والحداثة وكان من أعلامها الأفغاني ومحمد عبدو والكواكبي ولقد دعت هذه الحركة إلى معاصرة الحضارة الغربية وذلك بقبولها التعايش مع الحفاظ على الأصول ولايزال الجدل مستمرا بين الأصالة والحداثة والمعاصرة، إذ كانت الحركة الحداثية مركبا غريبا متناقضا من المستقبلي والعدمي والثوري والمحافظ والطبيعي والرمزي والكلاسيكي كما يراها عزرا باوند بوصفها قطيعة مع الماضي، ولذلك آلت إلى الانحسار، أما المعاصرة فهي وعي التجارب العالمية المتقدمة والناجحة واستغلالها والبناء عليها في عملية الإبداع والبناء المستقبلي ثم المشاركة الفعالة والمجدية في بناء العصر. وما الحديث عما بعد الحداثة إلا بحث عن الذات الثقافية عن المستقبل والخروج من مأزق القطيعة التاريخية إلى فسحة الانفتاح الكامل على التاريخ. وهذا يوصلنا إلى القول بتآخي الحداثة والتراث فمآل الحداثة هو العودة إليه، وأفول الغرب تصديق لانهيار الحداثة فيها وهو ما اعترف به مفكروها وفلاسفتها ولذلك فقد غدا الغرب يبحث عن وسيلة للقضاء على أي فرصة للحوار بين حضارة الآخر وحضارته التي لم يعد يمتلكها أصلا ويؤكد ذلك ما أورده المفكر روجيه غارودي من أن الغرب قد أفلس آملاً أن يكف عن الزعم أنه سيد العالم فقد آن الآوان أن نصغي إلى حوار الحضارات التي يسعى إلى تدميرها. |
|