تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


محمــــد علـــــي شــــمس الـديـــــــن: الشـــــعر روح العــــالم والـفن الأول.. الألـــــم قطـــب الــــرحى

ثقافة
الأربعاء 26-8-2009م
لينا ريّا

تقف الكلمات حائرة في وصف قامة شعرية تركت بصمة في عالم الإبداع الشعري، ولن تفيه الكلمات حقه مهما تفنن في زخرفتها، إذاً نقول وبكل بساطة، إنه الشاعر (محمد علي شمس الدين)

إنه ابن الأرز الذي عشق الشعر منذ الصبا، وإلى الآن ما زال مبحراً في عوالمه المليئة بالدهشة والسحر والغموض... وما زال مقتفياً أثر قصيدة أوصدت بابها في وجهه حتى يفك طلسمها السحري... إنه شاعر البوح الرقيق والعميق لأفراح وأحزان الوطن وجراحه وانكساراته... وصدر له على امتداد مسيرته الشعرية اثنا عشر ديواناً.‏

من مواليد قرية بيت ياحون بالجنوب المقاوم عام 1942م، حيث نال إجازة في الحقوق وفي الأدب العربي، ودكتوراه في التاريخ، وكان مديراً في الضمان الاجتماعي وأثناء مشاركته في فعاليات مهرجان جبلة التقت (الثورة) الشاعر العاشق للشعر وكان الحوار التالي:‏

دفء الحوار‏

 ماذا تحدثنا عن ذاكرتك الشعرية الأولى والتي ساهمت في تكوين تجربتك الشعرية؟‏

  جاءت هذه الذاكرة مبكرة، تقريباً بين سن العاشرة والثانية عشرة، فكان في منزل جدي الذي عشت فيه مكتبة كبيرة عامرة بكتب الشعر والتراث، وبعض المجلات التي كانت تصدر في ذاك الزمن، فأخدت موهبة الشعر عن الجد الذي كان يكتب الشعر، ولكنه كان مقلاً، ويردد علىمسمعي أبياتاً بصوته الشجي بعضها كربلائي، والبعض الآخر من التراث الشعري، وقد اهتديت باكراً إلى ديوان المتنبي فقرأته، وديوان المعري، والتوحيدي في المقابسات، والشريف الرضي، فهذه الدواوين الثقيلة قرأتها قبل سن الثالثة عشرة من عمري، وقد بدأت الشعر منطلقاً من روح المعري الذي لفتتني إليه قوة الشك عنده، فكتبت ما يشبه ذلك في قصائدي الأولى من هذه الناحية.‏

 هل تذكر قصيدتك الأولى؟‏

  القصيدة الأولى كانت تدورحول إنسان يموت ويولد في منزله طفل، وتبحث في سر الخلود، ولكنني أذكر القصيدة المتينة الأولى والتي لم أنشرها بالطبع وهذه بعض من أبياتها:‏

أن يموت الوجد في الدنيا وفيّ‏

فجري المشحون سحراً أسود‏

لم يلد بعد ولم يشرق عليّ‏

والرمال الحمر صلت في دمي‏

والحراب السود غشت ناظريّ‏

أستدر اللعن حتى أنني بت أخشى رحمة الله عليّ‏

 متى بدأت بنشر نتاجك الشعري؟‏

  حقيقة كتبت عشرات بل مئات القصائد قبل أن أنشر قصيدتي الأولى، والتي نشرتها عام 1973 على الأرجح في مجلة (الموقف الأدبي) والتي كانت تصدر عن اتحادالكتاب العرب بدمشق، وكان يومها رئيس التحرير الشاعر (سليمان العيسى) وهذه القصيدة كان اسمها (ارتعاشات اللحظة الأخيرة) متضمنة في ديواني الأول الصادر في عام 1975 وهو بعنوان (قصائد مهربة إلى حبيبتي آسيا) الصادر عن دار الأدب ببيروت، ولكن قبل هذه القصيدة كتبت مئات القصائد إما أتلفتها وإما أهملتها باعتبار القصيدة بالنسبة إلي مسألة ومسؤولية خطيرة حين تنشر تصبح ملزمة بالدفاع عن نفسها، وأنا لا أسمح لقصيدتي أن تكون على وهن أو ضعف أو لا تستطيع أن تقاوم الزمن وأذكر بعضاً من أبيات قصيدتي الأولى (ارتعاشات اللحظة الأخيرة)‏

هكذا تهب الريح من فلوات جرداء‏

تقلع من منابتهاجذور الرعشة الأولى‏

وتلقيها على فلوات صدرك برعماً من دم‏

أنا لا الري يرويني، وبي ظمأ، مالي ذنب‏

حملت الجرح والإعصار في كبدي‏

حضنت العشب والأطفال‏

وحين تعبت من ترحالي الأبدي‏

وصلت الجرح في ميل من الكبريت والأوحال‏

 كم عمر تجربتك الشعرية؟‏

  عمرها من بداية التفتح في الوعي على العالم، لأن التجربة الشعرية هي إحساس خاص للإنسان بالوجود، والحياة والطبيعة والحب والمرأة، وتلق خاص، هذا هو الشعر.‏

 في أي نوع شعري تجد نفسك؟‏

  أجد نفسي في دواويني التي بلغت حتى الآن اثني عشر ديواناً، ومنها قصائد مهربة إلى حبيبتي آسيا) (الصادر عن دار الآداب عام 1975، وديوان (أناديك يا ملكي وحبيبي أيضاً)، و (أما آن للرقص أن ينتهي)، و (الشوكة البنفسجية)، و(منازل النرد) ... وغيرها من الدواوين، والآن لدي ديوان قيد الطبع وهو بعنوان (اليأس من الوردة) فأنا هنا في هذه النصوص المتلاطفة.‏

 هل تعتبر الشعر كفعل مقاوم في الحياة؟‏

  الشعر هو الحياة شعراً، بمعنى هو معادل شعري للحياة، ولكن ليس هو الحياة، فهو المعادل الشعري واقتراح حياة على الحياة والمخيلة هو.‏

 ثمة تياران في الشعر أحدهما مع شعر التفعيلة والآخر مع قصيدة النثر، فإلى جانب من تقف؟‏

  لا هنا ولا هناك، وهذا التقسيم للشعر على هذا الأساس إلى حد ما أولي، وهو تقسيم لا أوافق عليه، فأنا شاعر غير مدرسي كما قال عني النقاد، حيث ناقشت أطروحة دكتوراه شعري في اسبانيا بجامعة (الاتونومو) بمدريد عام 1994، فقالت اللجنة (إننا أمام شاعر غير مدرسي، أي يجعل كل المدارس والإيقاعات والأساليب في خدمة نصه الشعري... وهذا هو الموضوع، فأنا أكسر حين تطلب القصيدة، وأجبر حين تطلب القصيدة، وأكتب الوزن واللاوزن، وأنا حر في هذا وليس مقياسي الشعري حقاً هو هذا التقسيم الرائج.‏

 أين الوطن في قصائدك؟‏

  في كل العناصر وفي الفجوات أيضاً، الوطن بالنسبة إلي مسألة ليست واضحة.‏

 في شعرك حزن دفين على الأمة، ونفحة صوفية من أين اكتسبتها؟‏

  كوني ابن هذه الحياة، وهذا الوجود فالألم هو قطب الرحى.‏

وهناك نبض دائم للحزن، في قريتي ينادونني الشيخ، وأنا ابن شيخ، ومن ثم فالبعد الديني والصوفي عميق في نفسي وتفتحت على تجارب الصوفيين وأشعارهم وأخبارهم ودخلت كجزء من تكويني الداخلي.‏

 أين المرأة في شعرك، وحياتك؟‏

  المرأة هي أناي الآخر... وهي حاضرة بكل تجلياتها وأبعادها سواء في شعري أو حياتي..‏

 كيف تقيّم تجربتك الشعرية؟‏

  لا أستطيع تقييمها بالمعنى النقدي، ولكن هي وجودي وقلقي وشغفي وخوفي وكل شيء، وهي معادلي الشعري، وهي آناي الحقيقية، وما عدا ذلك شبيه بكل شيء.‏

 هل توافق على ما يقوله البعض إن الشعر بدأ ينزل عن القمة، تاركاً لأصناف أدبية أخرى أن تتربع القمة عوضاً عنه؟‏

  الشعر يتماوج في حقول الأبد، ينزل من القمة ويعلو إليها، والشعر كطيف يطير في كل مكان، كالشعاع، وهذا هو، وهو الفن الأول في العالم كان ولا يزال قبل الموسيقا، قبل المسرح، وقبل كل شيء، وهو روح العالم بكل ما تعنيه من عذاب وفرح، ومن توليد وخصب، وموت وحياة، ولا شيء بلا شعر.‏

 ما رأيك بالتجربة الشعرية لشاعرنا الكبير أدونيس؟‏

  أدونيس شاعر ومسألة شعرية، بمعنى يطرح الأسئلة، وعنده قلق دائم بهذه الجهة، شاعر يتم النقاش والحوار معه، شاعر له حضور حتى في إشكالياته.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية