تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إنجاز البحث العلمي بالنقاط أم بالضربة القاضية؟!

مجتمع الجامعة
الأربعاء 26-8-2009م
د. زهير ابراهيم جبور

ليس العنوان مجازياً بل يعكس جوهر المادة رقم -1- من القرار رقم -5- تاريخ 7/9/2006 التي حدد مجلس التعليم بموجبها قواعد الإيفاد بمهمات علمية للبحث العلمي لأعضاء الهيئة التدريسية.

حيث رتبت الأولويات من أجل الإيفاد على أساس مجموع من النقاط الموزعة على جملة من الأنشطة البحثية والدراسات التي يقوم بها الأستاذ الجامعي مع الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه وحددت مدة الإيفاد بأربعة أشهر.‏

ماذا يمكن أن نقرأ في هذه القواعد؟.‏

ما نقرؤه هو أن قدرة الأستاذ الجامعي السوري على إنجاز بحث علمي خلال أربعة أشهر يشكل نجاحاً باهراً لا مثيل له بين أساتذة جامعات العالم وهو أشبه بالضربة القاضية التي يحققها الملاكم المنتصر على خصمه في حلبة السباق.‏

قد يعترض البعض محتجاً وما الغرابة في ذلك؟.‏

الغرابة كيف أن أغلبنا لم يتمكن طوال إيفاده للحصول على الدكتوراه من نشر أكثر من ثلاثة أبحاث فكيف أصبح الآن وبضربة سحرية قادراً على إنجاز بحث علمي خلال أربعة أشهر ومع اشتراط نشره في مجلة علمية محكمة وفق ما تم تحديده في لائحة واجبات العائد من الإيفاد.‏

لعله من الأدق والأصوب أن تندرج مهمة الإيفاد لمدة أربعة أشهر ضمن المهمات العلمية القصيرة لأن الإيفاد الحالي محكوم بالهاجس المادي وما يمكن أن يجنيه عضو الهيئة التدريسية بعد نهاية الرحلة وإلا ماذا يعني إيفاد العديد من «باحثينا» إلى مصر رغم أنهم حازوا شهادات الدكتوراه من دول أجنبية.‏

هل لأن مصر تتفوق أكاديمياً على جامعات الدول الأجنبية أو حتى على جامعاتنا؟.‏

أم لأن مصر هي الأرخص بين دول المقاصد العلمية؟.‏

وإذا كان من المشروع والطبيعي أن يستفيد الباحث مادياً خلال مهمة إيفاده إلا أنه من الضروري أن تكون هذه الاستفادة ضمن شروط لائقة تحفظ هيبة الأستاذ الجامعي وجدارته على المستويين العلمي والمادي ولذلك ليس من العدل إطلاقاً أن تتاح فرصة الإيفاد للبحث العلمي لبعض أعضاء الهيئة التدريسية أكثر من مرة بينما لا يحصل البعض على هذه الفرصة طوال حياته وقد يفارق الحياة قبل حصوله عليها ضمن المعايير والشروط الحالية التي حددها ووضعها من استفادوا من فرص سابقة للإيفاد وهذا ما يقودنا إلى خرافة أفضلية النقاط الواردة في لائحة الأولويات فهي بمجملها لا تملك أهمية عملية لأن مراجعة شاملة للأبحاث التي «رقي» بها بعض الأساتذة ستكشف لنا المستوى الهزيل والضحل علمياً لهذه الأبحاث وحتى لا يثور البعض غاضباً مندداً أطرح سؤالاً بسيطاً:‏

كم عدد الأبحاث المحكم والمنشور في مجلاتنا العلمية المحلية صالح للنشر في مجلات علمية عالمية ذات مستوى أكاديمي محترم.‏

والسؤال الآخر: لماذا توفد بعض الجامعات الحديثة العهد والكليات الصغيرة جميع المراتب العلمية من أساتذة وأساتذة مساعدين ومدرسين بينما لا تملك الجامعات الأقدم مثل هذه الفرصة؟ وكذلك لماذا يستفيد من انتقل إلى كلية صغيرة الحجم في كادرها التدريسي من فرصة الإيفاد قبل زملائه في الكلية الأصلية التي كان يعمل بها؟.‏

ألا يلغي ذلك خرافة مصداقية النقاط المعتمدة في ترتيب أولويات الإيفاد؟.‏

وهو في الآن نفسه يؤكد أن معايير الإيفاد الحالية واهية وغير موضوعية ومجحفة بحق الكثيرين وهي بأبسط القول بعيدة كل البعد عن فهم جوهر وآلية وكيفية انجاز البحث العلمي إضافة إلى كل ما ورد سابقاً فإن ما يثير الدهشة هو أن تمنح أعلى النقاط للبحث المنفرد في الوقت الذي يشتغل فيه العلماء في أغلب دول العالم ضمن فرق بحثية وكل باحث يأخذ نفس النقاط سواء كان منفرداً أم كان يعزف مع جوقة من الباحثين لا تقل عن ثلاثين باحثاً ولديناً من الوثائق والأمثلة ما يؤكد ذلك حتى في أحدث فروع العلم.‏

ولذلك نقترح مايلي:‏

أولاً: أن يتم إيفاد كل عضو هيئة تدريسية لمدة سنة للبحث العلمي بعد أن يكون قد أمضى ما لا يقل عن خمس سنوات في إحدى جامعات القطر ودون أن يخل بالقوانين والأنظمة الجامعية المعمول بها على أن يتم الإيفاد إلى إحدى جامعات الدول المتقدمة علمياً لإنجاز مشروع البحث الذي تقدم به وأعلن عنه في القسم والكلية صاحبة الاختصاص وأن يترك للأستاذ حرية تأجيل إيفاده إلى الوقت الذي يراه مناسباً.‏

ثانياً: أن توزع فرص الإيفاد وفق حجم جسم الكادر التدريسي في كل جامعة أي على مستوى القطر وليس كما هو متبع حالياً وبعد حصول كل جامعة على حصتها أن يتم التوزيع على الكليات أيضاً وفق حجم الكادر التدريسي في هذه الكليات.‏

ثالثاً: ألا تصرف المستحقات المادية للموفد إلا بعد نشر أو بعد الحصول على موافقة النشر لبحثه في إحدى المجلات العلمية المحكمة في البلد الذي أوفد إليه.‏

رابعاً: تحويل ما يسمى حالياً مهمة إيفاد إلى البحث العلمي لمدة أربعة أشهر إلى بند المهمات العلمية القصيرة أو الاطلاعية أو ما يعرف الزمالة العلمية على أن تكون متاحة باستمرار أمام أعضاء الهيئة التدريسية في كافة المراتب وذلك حسب الجدارة باستحقاق هذه المهمات وبما يحقق التوازن بين مصلحة الأستاذ الجامعي ومصلحة الجامعة التي أوفدته.‏

جامعة تشرين‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية