تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الإقامة في الوجدان كالحجل البري؟

آراء
الخميس 28-6-2012
حسين عبد الكريم

الذين يتذوقون بشهية نكهات القطيعة والهجران، يصعب عليهم هضم وتذوق أفكار القرابة ومذاقات المحبة العالية والألفة...

والثروات العاطفية المحظورة ذات أهمية بالغة، لكن الكثيرين أهملوا ثرواتهم هذه، وأغلقوا الأبواب في وجهها، فلا يتبادلون المرحبات العائلية والتحيات الوجدانية بل ألقوا القبض على وجداناتهم، وحجروا عليها بتهمة الإسراف العاطفي..‏

حتى غدونا في حالة هلع عاطفي ولجوء عاطفي.. وقطيعة عاطفية...‏

فتيات في مقتبل عواطفهن وفي منتصف الطريق إلى عواطفهن, أقنعن قلوبهن بالتوقف المبكر عن نبض الحب وتخاصمن مع العشق بذريعة أن الوقت لا يتسع لغير العمل والمال والبيوت.‏

كأن أمطار الحاجات تسقي بساتين الحواس جفافاً وعطشاً و......‏

الافتقار إلى عاطفة العمات والخالات يسبب غصات وجدانية وحرقات، لا يمكن مداواتها بطب الأعشاب والفحوص السريرية وعمليات الجراحة التجميلية، تضخيم الشفتين لا يفيد في النطق ومحاسن اللفظة وتطويل الأنف وتقصيره لا يخص الأنفة والشمم العائلي... التجميل الاستهلاكي؟!؟‏

أوكسجين الطمع مثقوب.... وشبابيك النفاق مختنقة، رغم ادعائها المغرض بامتلاك الهواء والآفاق، شبابيك النفاق والخديعة لا تجيد تنفس الهواء العليل، بل تجيد العلة والتلوث.‏

العمتان مريم وزهوة مشتا الدرب إلى وجدهما المتعثر والمتعب، وفي زمانهما لا توجد وفرة وجد... يوجد وجدان(بري) بريء الذمة تجاه النفاق والخديعة... وبريء الذمة أيضاً تجاه الخبرة الوجدية وترف العواطف لكنهما رغم كل العثرات والأتعاب الجانبية والرئيسية عمرتا وجدانهما بلطف عائلي وبالمتيسر من ثروتهما العاطفية الموروثة...‏

ومثلهما عمات وخالات عديدات عمرتا وجدانهما الريفي البسيط، وسكنتا فيه.. وانتبهتا بحسهما الهادئ إلى القرابات وعاطفة الحيرة الحسنة وكلما طعنت بهما السنوات، رفعنا حيطاناً جديدةً لوجدٍ عائلي جديد، وبقيتا تهزمان الأسى بالمحبة القريبة المتناول إلى أن صارتا شجرتي قرابة.‏

زياراتهما لا تنقطع إلى الأخوة والأقرباء في القرية الأم التي قدمتا منها يوم زفافهما... وللأولاد حصص حنونة من الكرم العاطفي: مسحة على الرأس وقبلة وأعطيات تشير إلى الكرم الحريص، الذي لا يخطئ المحبة والجود والانتباه إلى إمكانات الحال...‏

وفي الأحزان ليستا ضعيفتين بل هما قويتان وتعتنيان بوطنية الناس المحزونين...‏

الدرب إلى بيتي العمتين واضحة الخطوات والمفارق والممرات المؤدية إلى عطفهن وحنينهن لا تحتفظ بشيء من التأفف أو الضجر... عمتان مستعدتان دائماً لحب الأقرباء والأسئلة عن أحوالهم وعيالهم ومصيرهم...‏

ووقت يجيء الشهيد من هذه العائلة أو تلك يتكتمان الدمع من أجل الصبر لأنهما تعرفان.‏

والخالتان البعيدتان بعض البعد قريبتا الشبه من العمتين وتحسنان التصرف بثروتيهما العاطفية بكل يسر وكرم خاطر.. تلم من الأحباب ذكريات كي تبقى بعدهم عطراً وألقاً حنوناً وتصبران ككروم عطشى لأن الثقة بالماء كريمة كالماء...‏

لم نشعر بالفقر العاطفي العائلي بسبب احتفاظ العمتين والخالتين بحصص وجدانية ونثريات عطف، يقدمنها لأفئدتنا الطفلة وقلوبنا المتورطة بنبض البساطة وعافية القرابة الميسورة...‏

العمتان والخالتان اجتهدتا بالسعي والشقاء بحثاً عن رزق لائق يحمي كرامة البقاء واجتهدتا ببناء وجدان طيب وحنون يسعه رعاية بعض احتياجات الأولاد العطفية...‏

نسافر من قرية إلى قرية لنتذوق طعم حلوى القرابة ورأفة وعاطفة الخالة والعمة... الحلوى لا تتعدى مذاقاً عاطفياً رشيقاً يدوم تحت اللسان وخلف وبين الكلمات الطيبة ومن محاسن الكلمات الجيدة أنها من غير إنفاق إلا ما يجود به القلب والفؤاد والأمل الماثل للعافية والصفاء...‏

زمان ليس ثرياً بالعطف وليس مترفاً بالثروات العاطفية، لكنه محتفظ ببعض عطف وبعض ثروة عاطفية تجود بها هذه العمة أو تلك أو هذه الخالة أو تلك، بالقليل من الرأفة العائلية يحيا وجدان الأقرباء ويتعافى من الشفاء والبلاء والوباء...‏

أما أن يصير الزمان بأكمله للجوء العاطفي والافتقار إلى أي أرصدة عاطفية هي اللعنة والقسوة والبشاعة زمان العمات فيه فقيرات بأي إمدادات عطفية....‏

وخالات لا يبنين وجداناً... فهن خالات بوجدان مقفر ومتصحر، وهيئات استصلاح الأرض القاحلة والجافة لا يمكنها إصلاح الوجدانات المتصحرة ،الوجدانات عملها ذاتي منها وفيها.‏

العمات والخالات الجديرات بالوجدان يرصدن الأحوال العطفية والقرابات وينبهن إلى خطورة القطيعة التي قد تسببها ريح ثرثرة هوجاء أو سنة عطش شديد، فن العمات والخالات صار من الفنون التقليدية التي ينظر إليها على أنها(فلكلور) للمشاهدة والتفكه؟!‏

ما رأيكم دام فضلكم؟ على رأي الأستاذ البجيرمي..‏

من يشبه الأحباب غير بساطة الأحباب في الوجد..‏

والأمطار تشبه مرة أخرى‏

وثالثة ودائمة قراءات الكروم الخضر‏

للغيمات والرعد‏

ورد الهوى يحمي الهوى من غربة الورقات في الورد..‏

من مثلها: الخضراء في أشواقها كقصيدة العينين والكلمات في النهد..‏

أحببتها من أخمص القدمين حتى آخر القد‏

وأحبها التاريخ والإنسان‏

سورية الضحكات والملكات‏

والدمعات في الأفكار والخد‏

تملأ الفنجان والأزمان رشفتها بشوقٍ عاطر الشهد‏

تحطب في هواجر الأهلين يأساً يابساً بمناجل الود‏

وتكنس من حواكير الرؤى زيتونة يئست ولا تجدي‏

تشد الريح من كتفيها كي تبقى جميلة نسمة البرد‏

وكي تبقى محاسن حسنها كتجدد الوعد..‏

سورية أيامها وحنينها حتى أبعد الأبعاد والترتيب والعد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية