تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نــزار قبانـي.. فعلاً وصلت يد أبي لهب إلى شارع الصحافة..

آراء
الخميس 28-6-2012
ديب علي حسن

«والذي يتابع أخبار البازارات الصحفية الكبرى التي تجري في أوروبا لشراء الصحف المهاجرة، وعمليات انتقال ملكية هذه الصحف من يدٍ إلى يد، يدرك على الفور أن السلطان يريد أن يرث الأرض وماعليها، وأن يرث الصحافة بحبرها وورقها ومطابعها ومحرريها،

ورؤساء تحريرها، بحيث لايصدر غلاف مجلة إلاّ بأمره.. ولايوضع عنوان رئيسي إلا بأمره.. ولايرفع الفاعل وينصب المفعول به إلاّ بأمره. السلطان لم يعد يرضيه أن تكون نسبة الولاء له عشرة بالمئة أو ثلاثين أو خمسين بالمئة، إنه يريد ولاءً بنسبة 500 بالمئة وإلا أوقف مساعدات (مارشال) من متسولي الصحافة العربية.. إنني في غاية السعادة لهذه المعركة السينمائية المثيرة بين الشاعر وبين السلطان.. السلطان يدخل المعركة مدججاً بسيوفه وسيافيه وبترو دولاراته والشاعر يدخلها مدججاً بكبريائه وكبرياء كلماته.. إنني لا أملك في حربي مع السلطان سوى ثمانية وعشرين حرفاً استطعت بها أن أفتح بوابات الوطن العربي كله.. إن رائحة (أبي لهب) وصلت إلى شارع الصحافة العربية في كل مكان حتى صارت الرائحة تزكم الأنوف».‏‏

ويبدو أن أبا لهب لم يعد قانعاً بالمجد السياسي أو الإعلامي وحده، فهو يريد أن يضم مجد الثقافة إلى امبراطوريته.‏‏

لايظنن أحد أن إبداعاً تجلّى لي، بل هو رأي نزار قباني قاله ذات يوم في حوار مع الأستاذ لامع الحر ونشرته مجلّة (الشراع اللبنانية) بتاريخ 25/4/1957م.‏‏

قد يكون الاقتباس طويلاً، ولكن لابدّ منه، فنزار قباني شاعر الرؤيا، والرؤيا قفز خارج حدود الزمان والمكان.‏‏

نبوءة الشاعر أن أبا لهب سوف يتسلل إلى الصحافة العربية ويجعلها إحدى محظياته فالبترو دولار حاضر، والشارون والبائعون حاضرون..‏‏

لم يغرد نزار خارج السرب أبداً، فالشراء بدا خجولاً، ولكنه أعلن الآن على رؤوس الأشهاد بلا حياء، ولا خجل.. صحف عربية تطالعنا كل يوم بكاتب لم نسمع به أبداً، ولاشيء إلا أنه لطخ حبره بالسمّ الزعاف وانضم إلى جوقة النباحين، جوقة المضللين تجاه مايحصل في سورية.. هؤلاء المرتزقون نعرف أن المئة دولار عندهم تساوي كل الأوطان، ونعرف أنهم إذا لم يكتبوا كما يطلب منهم فلا شارٍ لخربشاتهم وليجربوا أن يخرجوا عما رسم لهم.. مرتزقة حيث الدفع الأعلى يولون وجوههم.. ولكن الأمر الذي يثير الريبة والشك والدهشة أن تجد أقلاماً تظن أنها حقيقة تكتب بلغة صهيونية حاقدة، تعزف على أوتار نخجل عن ذكرها تطالعنا (غ.ق) بمقال في صحيفة الحياة اللندنية تحت عنوان: سورية الجديدة وحكاية مدينتين وفي السمّ الزعاف مايجعلنا نخجل حتى عن عرضه ولكن لابأس من بعض الاقتباسات: (ويرى أهالي دمشق الشوام) كما يسميهم السوريون أن مدينتهم اغتصبت، وتغيرت جغرافيتها وتركيبتها السكانية بصورة مقصودة لقد تم التعامل مع دمشق كمدينة محتلة حوّلها الغزاة إلى مدينة تشبههم، فأنجزوا قطيعة مع تاريخها الذي يذكرهم بحقيقة أنها ليست لهم، ولم يساهموا في تشكيلها والأفضل أن يتم استبعاد سكانها الأصليين لكي يضعوا أيديهم على دمشق أخرى تشبههم وهوأمر يماثل مايفعله الإسرائيليون في فلسطين ومدنها العريقة وهم يعيدون بناء ذاكرة جديدة ترتبط بالمستوطنين.‏‏

ترى من الذي قال لك إن دمشق مدينة مغلقة، مدينة عنصرية لم تقبل أحداً.. بل قولي لنا أيتها العبقرية متى لم تكن الشام (دمشق) عاصمة الدنيا وشامتها، وعاصمة العروبة.. لن نذهب بعيداً في السؤال.‏‏

ما الذي طمسه القادمون إلى دمشق؟ من الذي حمى مدينتنا القديمة ورمم قلعتها وجامعها الأشهر، وسوق حميديتها، وشارعها المستقيم، وكشف جوانب قلعتها، وحمى صروحها.. من الذي أحاط كنوزها المعمارية والحضارية بكل الحب والوفاء..‏‏

دمشق شامة الدنيا لاتختزل بعائلة، ولاعشيرة، ولا قبيلة ولابسورية، إنها العروبة.. ولو بحثت في الوافدين إليها لرأيت أنها الحصن والملجأ... دمشق لايختصر تاريخها بعفونة الحقد والعنصرية.. هل تذكرين ماذا فعل المثقفون السوريون حين حاول أحدهم الغمز من قناة أشهر شاعر عربي و أراد أن يقول إن أصوله ليست عربية..‏‏

تذكري ذلك.. دمشق ليست ميراثاً عائلياً ولاطائفياً، ولا إقليمياً، هي ميراث الحضارة..‏‏

من أجلها سقط آلاف الشهداء، وعلى أسوارها تحطمت قوافل الغزاة، دمشق ليست أزقة وحواري ضيقة ولامدينة مغلقة لاتريد لأبناء الوطن أن يكونوا نسيجها الرائع.. هل أنت أيتها السيدة لندنية أو باريسية حيث تقيمين ماذا تقولين لو طلبوا منك أن تغادري حيث أنت.. وأنت تريدين اختزال أعرق مدن العالم لتكون شارع قبيلة؟!.‏‏

آهٍ ماذا نقول لشاعرنا نزار قباني الذي قال ذات يوم حين دشن سدّ الفرات بما معناه: (هكذا خلق الله السوريين يتقاسمون رغيف الخبز مع كل أخ عربي).‏‏

أتراك اليوم تسمع من يتقاسم الأحقاد على وطنه وهومن هو.؟‏‏

حقاً إن مال أبي لهب اشترى كل الذمم، وصادر كل القيم.. أما أنت يادمشق فلك الله.. ستبقين شامة الدنيا.. أوابدك شامخة وحضارتك نضرة، وشعبك أبيّ.. لم تكوني (جيتو) في يوم من الأيام، ولن تكوني أبداً إلا الشام دمشق نزار قباني، وشفيق جبري والخراط، وصلاح الدين, سيذهب مال أبي لهب ويذوب الثلج ويظهر العري بكل قبحه.. تبت يدا أبي لهب.‏‏

d hasan09@gmail.com ‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية