|
إضاءات على حد زعمهم، قبل أن يكتشفوها فجأة، ودون مقدمات ليذيعوها على الدنيا كلها في توقيت دقيق من عمر سياسات ما كان لها إلا أن تضلل، وتختلق الأكاذيب. إنها لويز.. اليهودية الصغيرة تلك خبأت رسالتها التي تحكي قصتها في خزانة في مدرستها قبل أن يعتقلوها، ومن ثم يسوقونها الى معسكر أوشفيتز ليعدموها مع من أعدموهم من أبناء جلدتها، تلك الرسالة التي جعلوا منها أسطورة تختصر قصة حياة تلك الفتاة ومعاناتها مع من معها، وكأن صاحبتها على دراية بكل ما سيأتي اليها، وما كان لهم، حسبما يقولون، أن يكتشفوها إلا بعد مضي سبعة عقود من الزمن، والرسالة تقبع في خزانة صغيرة في زاوية من مدرسة في فرنسا، ولم تمتد يد إليها طوال تلك السنوات ولا حتى بدافع الفضول، أو نفض الغبار عن الأثاث. الرسالة الخارقة تلك لم تتآكل بالتالي مع مرور الزمن، ولم يصل إليها ما يبددها، بل ظل ورقها صقيلاً، سليماً، مقاوماً لكل عوامل الاهتراء، وعصياً على أن ينال منه الزمان. ويبدأ البحث في أرشيف المدرسة للعثور على مزيد من الأسماء.. ليقيموا لها اللوحات، والنصب التذكارية حتى يحفظوها ويبعثوا فيها الحياة من جديد، وحتى لا يمحو غبار الزمن ملامحها، أو يطمسها ويكبر الوهم، ويتعالى الكذب مع الزيف والادعاء ليصبح بحراً متلاطم الأمواج في محاولات مستميتة لكسب تعاطف الناس، وجعلهم يصدقون أباطيلهم التي طالما سادت وتنامت. وحتى لا تُنسى قصة لويز التي توزن بميزان الذهب في زعمهم وضُعت رسالتها في متحف المحرقة في باريس ليضاف اسم جديد الى قائمة الأسماء التي يحيون ذكراها، ويضيفون إليها من مخيلتهم قصص البطولة، والشجاعة، ويرسمون أصحابها على أنهم أبطال معسكرات الموت. كقصة إنسانية مؤثرة يقولون إنها اختفت لسبعين عاماً لكنها ظلت في أذهان من عاصروها.. مدرّستها، وزملاؤها ممن بلغوا من العمر عتياً وتجاوزت أعمارهم التسعين أو المئة ومع ذلك ما زالوا قادرين على رواية قصة لويز كما جاءت في رسالتها، ودون أن تخذلهم الذاكرة في استرجاع الأحداث، بل إنهم يزيدون عليها من أخبار التفوق، والتميز لزميلتهم في كل مراحل الدراسة بما يضفي على قصتها مزيداً من الجاذبية.. عجيب أمر تلك الذواكر القادرة على أن تنبش في الصناديق القديمة، وأن تحتفظ حتى بفتات الذكريات ولو قطعت في مسيرتها أطول السنوات من الأعمار.. وهو ما جعل ملفات الحرب العالمية الثانية تفتح من جديد في وقت يتزامن مع ما يقترف بحق مدينة القدس لمحو هويتها الاصلية، ونسج تاريخ جديد مزيف لها. هكذا يكرس عدونا من الصهاينة لأباطيله بخبث ودهاء، وهو لا يتوانى عن اختراع القصص تلو القصص، والأخبار تلو الأخبار التي تدعم أكاذيبه، بينما يحاول أن ينقلها من جيل الى آخر من أجياله التي تعبأ رؤوسها بقصص ما كانت لتحدث إلا في المخيلة التي ابتكرتها حتى ولو تخطت كل منطق، وكل تأريخ. ومع كل ذلك.. فهذا العدو قد يدرك أو لا يدرك أن للأمم والشعوب ذواكرها التي لا يمكن محوها، كما أن للحضارات آثارها التي تروي ما كان من أمرها، وأمر الحضارات الأخرى التي جاورتها، أو زامنتها، وهي تدل على بعضها بعضاً، وإذا كانت الشواهد والدلائل التي وصلت الينا عبر التاريخ تحكي قصة واحدة لا خلاف فيها.. فإن آلاف القصص التي يبتدعها أبناء صهيون لا يمكن أن تطغى على قصة التاريخ الحقيقية. |
|