تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لن يمضي.......؟!

معاً على الطريق
الجمعة 2-2-2018
ديب علي حسن

من محاسن هذا العالم الأزرق المجنون أنه يضع أمامك كل الخيارات، لاشيء يخطر ببالك وفي بالك، حتى لايحزن أهل اللغة وحراسها ــ لاشيْ إلا وتجده هنا في سماوات بعضها عال، عال،

وبعضها الآخر مهيض الجناح، وكما قيل كل يبحث عما يريد، وبالتأكيد سوف يجده.‏

من قطوف الأزرق هذا أختار أحيانا ما ينشره أصدقاء يقطفون عيون الحكمة والكلام وينسقونها بباقة تغريك للقراءة والمتابعة، مما كان منذ أيام ومن على صفحة صديق قوله: طلب ملك من حكيم أن ينقش له على خاتمه قولا كلما قرأه سره وأحزنه، فنقش التالي: هذا الزمن سيمضي ......‏

بداهة - أيضا لئلا يحزن حراس اللغة - جدلية الحكمة صحيحة، فالزمن منسرب إلى غير رجعة، ولكن المنطق يقول: لا زمن بلا مكان، ولامكان أو زمان من دوننا، هل ندرك زمنا مضى لم نكن فيه؟ الجواب: نعم، ولا، نعم ندركه بما حفر فيه الآخرون وخلده على صفحاته المسماة تاريخا، ولا، لأننا لم نكن نعيشه، وحين نرحل لا تنفعنا شمس الأحياء ......وعلى هذا فالحكمة السابقة: مخاتلة، وحكيم الملك كاذب باعه وهما، رنين حكمة، ألبسه فرحا أو حزنا مؤقتا، أما ماذا كان عليه أن ينقش على خاتم ملكه، فهذا لاأعرفه، ولا أحد في العالم يمكن أن يتكهن بأحوال النفوس وكيف تكون، فقد يفرحني ما يحزنك، وقد يغضبك ما لايغضبني (مصائب قوم عند قوم فوائد).‏

هذه جدلية الحياة، أما أن الوقت سيمضي، نعم، يمضي كحالة فيزيائية، ولاشيء إلا وهو ماض، يختصره القول: الزمن كماء النهر لايمكن أن تستحم به مرتين، لكن ماء النهر المتدفق لم يمض، بل إلى البساتين يروي ويسقي، إلى الكهرباء والمنازل، أي يعود حياة وفعلا آخر، فمن يدري فقد تنير بيتك موجة نهر كنت تستحم بها..؟‏

هذه حال الماء، فكيف بالزمن ودفاتر تاريخه؟ نعم الحدث الزمني يمضي ويبتعد، والعامة تقول لمن توفى منذ لحظات: لقد ساوى من رحلوا منذ بدء الخليقة، ويضيفون: لم يبق منه إلا عمله.......‏

الزمن يبقي ما أنجزته، ما سطرته، ما كان لك ومنك وعليك وقد يراه كثيرون بعين الرضى، وثمة من يراه عبئا ثقيلا ..محطات الزمن لا تنتهي لأنها تاريخ: مات نيرون وبقيت روما، ومآسيها، هزم هولاكو وبقيت ذكرى فظائعه، وقس على هذا الكثير، من تاريخنا القريب: مضى يوسف العظمة وبقيت ميسلون وعظمتها، بقي خلوده تأريخا، ومضى هنانو والعلي والأطرش والأشمر .......وصفحات الأيام تروي عنهم ما لاينتهي.....‏

مضى من فك حبال عربة غور وجعل رقبته مكان الحصان، وبقيت أفعاله الشائنة، سواء بررها البعض قياسا على زمن ما، أم لا ...‏

سورية الآن سيمضي ما آلمها، ما فتك بها، ما جرحها، سيمضي كما مضى زمن سابق وأحداث جسام، لكن التاريخ سيكتب أن صغارا صغارا، كانوا سببا لآلام الكثيرين ولن ينسى السوريون مهما امتد الزمن أن ثمة من غدر بهم، ومن طعنهم من الداخل والخارج، قد يكتب الكثيرون ما ليس صحيحا، لكن غربال الحقيقة سيأتي ويفعل فعله.‏

هذا الزمن ماض، وكل مضارع مآله أن يصبح ماضيا، ولكن حذار: أن يكون مضارعك في قادمات الأيام فعلا ناقصا، ليس باحتياجه إلى اسم وخبر، إنما من نقصان آخر، وعلى هذا خيارات الصغار تبقى أصغر منهم .....لن يمضي شيء سيبقى محفورا.....‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية